تنطلق الصحفية الفرنسية دلفين مينوي في كتابها: «أكتب إليكم من طهران»، من كونها هي نفسها في الأساس من أصول إيرانية، حيث إن والدها إيراني وأمها فرنسية. وقد قدمت إلى طهران بحثاً عن جذورها العائلية، حيث أقامت مع جدتها، وبدأت تستكشف ملامح المجتمع الإيراني من الداخل، وتنشر من هناك مشاهداتها وحكمها على الأشياء والحياة والناس، باعتبارها كبيرة مراسلين لصحيفة لوفيجارو الفرنسية في الشرق الأوسط. وقد أقامت في إيران أكثر من عشرة أعوام، ثم ذهبت إلى بيروت، لينتهي بها المطاف الآن في القاهرة. وتشرع المؤلفة في سرد سنواتها الإيرانية الممتدة من 1997 إلى 2009 في شكل رسالة مفتوحة موجهة إلى جدها المتوفى، مراوحة فيها بين لغة الوصف والسرد والريبورتاج، في مسعى لتقديم الوجه الآخر لإيران، وثقافتها، ونثر مفردات البنية الاجتماعية والسياسية السائدة فيها منذ قيام الثورة، وسقوط نظام الشاه. وكما يمكن أن نتوقع فلا يخلو هذا الاستكشاف طبعاً من مفارقات وصدمة ثقافية لصحفية ولدت ونشأت في فرنسا حين تجد نفسها في جو اجتماعي وثقافي في بلد شرقي تسود فيه قيم دينية وأعراف ثقافية وظروف سياسية، مختلفة بشكل كبير، عن كل ما عهدت هي في السابق. ولأن الصحفي هو مؤرخ اللحظة، كما يقول الأديب الفرنسي «ألبير كامي»، فقد ضمّنت الكاتبة بين دفتي عملها تأريخاً لحظياً للتحولات الصعبة التي عايشتها في إيران بين تطلعات التغيير والتحديث وعوائق ذلك الماثلة على أكثر من صعيد تنموي وسياسي. كما تسجل أيضاً العديد من مفارقات الحياة العامة والثقافة الجديدة وصراع الأجيال وافتراق مقاربات ورؤى بعض رجال الدين ورجال السياسة عن الجيل الصاعد المتأثر بثقافة عصر العولة وتطلعات الأخذ بطرف من مباهج الحياة الغربية. وهنا تسرد الكاتبة بعض يومياتها الخاصة والكيفية، التي جسرت هي بها الفجوة الثقافية مع جدتها «ماماني» وصديقتها «نيلوفر» والطالبة الشابة «سبيدة»، وغيرهم ممن كانت تحتكّ بهم في يومياتها الطهرانية العادية، بل غير العادية. كما حظي أيضاً الحديث عن طبيعة وثقافة وتكوينات المجتمع الإيراني بنصيب مهم في كتاب دلفين مينوي، على نحو قد يبدو مفيداً للغاية خاصة بالنسبة للقارئ الغربي الذي لا يكاد يعرف عن ذلك البلد وذلك المجتمع وثقافته سوى حزمة غائمة من الصور النمطية الشائعة، والأحكام المسبقة الذائعة، التي تنافي الحقيقة أحياناً كثيرة. كما لا تغفل أيضاً الحديث عن بعض أسباب التجاذب السياسي والتدافع الاجتماعي الجاري في إيران منذ قيام الثورة، وخلال سنوات الصراع الأخيرة مع الغرب، وآثار وتداعيات الحال الاقتصادي وإكراهاته بالنسبة لقطاعات محسوسة من الناس في البلاد، وخاصة بالنسبة للشرائح الشعبية الأقل دخلاً وحظاً بشكل عام. وكذلك بعض دواعي الاحتقان التي عرفتها البلاد خلال نهاية العقد الماضي، وتأثير الثورة الاتصالية العولمية على كيفية تشكيل مزاج وعقليات الأجيال الجديدة التي كانت هي محرك معظم الاحتقانات والتجاذبات خلال تلك الفترة بين الإصلاحيين والمحافظين. وفي المجمل يتيح هذا الكتاب نظرة على طهران الأعماق، وإيران بشكل عام، من الداخل، ومن زوايا نظر قد لا تتاح إلا لمثل هذه الصحفية على اعتبار أنها هي نفسها مرتبطة في أصولها بالنسيج السكاني والثقافي لذلك البلد، وتتقن لغته، وتفهم بعمق ثقافته وطريقته في التفكير والتدبير ورؤية نفسه والعالم. حسن ولد المختار الكتاب: أكتب لكم من طهران المؤلفة: ديلفين مينوي الناشر: سوي تاريخ النشر: 2015