يشترك الإنسان والحيوان في عدد من الأمراض المعدية، تُعرف بالأمراض حيوانية المنشأ (Zoonosis)، وهي الأمراض التي تصيب الحيوانات في الأساس، الفقارية في الغالب، لتنتقل منها إلى الإنسان، الذي يمكن أن يكون بدوره مصدر عدوى للآخرين. فمن بين أكثر من 1400 مرض معدٍ يصيب الإنسان، سواء في شكل عدوى فيروسية، أو بكتيرية، أو فطرية، أو طفيلية، تشكل الأمراض الحيوانية المنشأ أكثر من 60 بالمئة من هذه الأمراض، أو ما يعادل تقريباً ثلثي الأمراض المعدية التي تصيب أفراد الجنس البشري. ويمكن إدراك أهمية الأمراض حيوانية المنشأ، من حقيقة أنها شكلت أخطر أوبئة الأمراض المعدية بين البشر في الذاكرة الحديثة، مثل وباء فيروس نقص المناعة المكتسبة أو الإيدز، الذي يصيب حالياً 35 مليون شخص، ووباء فيروس الإيبولا الذي اجتاح دول غرب أفريقيا منذ شهر مارس العام الماضي، وتسبب حتى الآن في أكثر من 11 ألف وفاة مسجلة. وعلى المنوال نفسه، ترد أوبئة الإنفلونزا الحديثة بأنواعها المختلفة - الخنازير والطيور وغيرهم - إلى أصول حيوانية. ويقدر أن الأوبئة الفصلية من فيروس الإنفلونزا، تتسبب في انتكاسات ونوبات مرضية شديدة بين 3 ملايين إلى 5 ملايين شخص سنوياً، يلقى منهم من 250 ألفاً إلى 500 ألف شخص حتفهم كل عام. وبخلاف هذه الأمثلة، تعود جذور الكثير من الأمراض التقليدية إلى منشأ حيواني، مثل السُعْار أو الكَلَب، والجمرة الخبيثة، وفيروس النيل الغربي، هذا بالإضافة إلى عدد من الأمراض التاريخية، مثل الحصبة، والجدري، والدفتيريا، وحتى أمراض شائعة مثل البرد العادي، والسل الرئوي، ترد هي الأخرى إلى منشأ حيواني. ولن يتسع المقام هنا لتعديد هذه الأمراض، ولا حتى جزء منها، ولذا سنقصر الحديث على ما يعرف بالأمراض الحيوانية المنشأ «المتجاهلة أو المنسية»، وهي مجموعة تضم 17 مرضاً، وتتوطن بأنواعها المختلفة في 149 دولة من دول العالم، وتصيب حالياً 1?4 مليار شخص، وتكلف اقتصاديات الدول النامية مليارات الدولارات سنوياً. فعلى سبيل المثال، أظهر تقرير صدر منتصف شهر أبريل الماضي، أن مرض السُعْار أو الكَلَب، والذي يصنف ضمن مجموعة الأمراض المتجاهلة، يقتل سنويا 59 ألف شخص، أو ما يعادل 160 شخص يومياً، كما يكلف الاقتصاد العالمي 8.6 مليار دولار سنوياً، أو 32 مليار درهم، نتيجة الوفيات المبكرة، وفقدان الإنتاجية والدخل للمرضى، بالإضافة إلى تكلفة التطعيمات الطبية، هذا على الرغم من أن السُعْار مرض يمكن الوقاية منه بسهولة من خلال التطعيم. وأمام هذا الثمن الإنساني والاقتصادي الفادح للأمراض الحيوانية المنسية أو المتجاهلة، صدر تقرير منتصف الشهر الجاري عن منظمة الصحة العالمية، خلص إلى أن غالبية هذه الأمراض يمكن التحكم فيها من خلال الوسائل المتاحة حالياً، كما يحث التقرير المجتمع الدولي على تسريع الخطوات الهادفة إلى خفض العبء المرضي لتلك الأمراض، وذلك ضمن قرارات جمعية الصحة العالمية، وهي أعلى هيئة في منظمة الصحة العالمية، حيث توفر تلك القرارات، الإطار العام للسياسات التي يمكن لأفراد المجتمع الدولي أن يوحدوا جهودهم ضمنها، على غرار ما تم تحقيقه خلال العقد الماضي على هذا الصعيد، مع الحاجة للمزيد من التعاون والتنسيق في هذا المجال. التعاون الدولي، وخصوصاً المساعدات المالية والفنية التي تمنحها الدول الغنية للدول الفقيرة، ليس اختيارياً كما قد يبدو للوهلة الأولى، حيث أصبحت الدول الغنية تدرك بشكل عميق حقيقة أننا نعيش حالياً في عصر تعولمت فيه الأمراض المعدية، بما جعل انتقالها من دولة إلى أخرى، ومن قارة إلى أخرى، أمراً محتوماً، لا يستغرق أحياناً إلا بضع ساعات قليلة. ولذا لا بد أن تبنى أي استراتيجية للدفاع وحماية المجتمعات المحلية من هذه الأمراض على مبدأ مقاومتها في المصدر، والذي غالباً ما يكون في دول نامية. ولذا يمكن النظر للمساعدات الطبية التي تقدمها الدول الغنية للدول الفقيرة على أنها استثمار في المجال الصحي المحلي، عملاً بمبدأ أن الوقاية من المرض في مصدره، خير من علاجه في مقصده النهائي. ويتمثل هذا الاتجاه في التعاون بشكل كبير في النسخة الجديدة من الإجراءات التنظيمية الصحية الدولية، التي تحتم على الحكومات، ووزارات الصحة، ومنظمة الصحة العالمية، الإبلاغ عن، والتعامل بشكل فوري، مع المخاطر التي تهدد الصحة العامة.