لقد أساءت جماعات التطرف والتكفير كثيراً إلى الإسلام وسادت بسببها حالة من نفاد الصبر لدى غالبية المسلمين تجاه مثل هذا التطرف الدموي العنيف الذي أصبح يمثل تهديداً واضحاً للدين والأوطان وللتعايش المشترك. إن كل ما تقوم به هذه الجماعات يتنافى مع المبادئ الإسلامية والإنسانية والأخلاقية، وقد فرض صورة مغايرة للإسلام في ذهن من يتربصون به ويعادونه، وترك الباب مفتوحاً أمامهم ليتنافسوا على التشويه وإشعال نيران العداء والكراهية ضده، حتى قال الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون في كتابه «الفرصة السانحة»: «إن الإسلام هو العدو الأول للغرب»، وكتب فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ» قائلاً: «إن الصراع الحالي ليس ضد الإرهاب، ولكنه صراع ضد العقيدة الإسلامية التي ترفض الحداثة»، وهو ما شدد عليه صموئيل هنتجتون في كتابه «صراع الحضارات» عندما طالب بـ«حرب داخل الإسلام حتى يقبل الحداثة الغربية»، وكذلك السكرتير العام السابق لحلف «الناتو» ويلي كلايس الذي قال: «إن الإسلام هو الخطر الجغرافي السياسي في المستقبل»، ونتيجة لذلك فقد أصبحت دولنا العربية والإسلامية هدفاً لنوعين من العدوان. أولهما القوى الأجنبية التي تحاول الآن تغيير الخريطة السياسية للمنطقة العربية وقلب ميزان عناصر القوة الإقليمية ليتوافق مع مصالحها واستراتيجيتها مستقبلا. أما العدو الثاني فهو قوى التطرف، بتشكيلاتها وجماعاتها وحركاتها المختلفة، والتي امتهنت العنف الدموي وجعلته سلاحها لبلوغ ما ترمي إليه، وهي اليوم لاعب رئيسي فيما يوضع من خطط لتغيير الخرائط، عبر إذكاء الفتنة في المنطقة. الصراع الجاري على الساحة العراقية والسورية هو نموذج لهذا التآمر بين قوتي التآمر الأجنبي والتطرف الديني، للعبث بأمن المنطقة والدفع بها إلى التمزق تمهيداً لإعادة ترتيبها من جديد. اشتداد الحملة على المنطقة العربية، وعلى الأخص دول الخليج العربي، وتجنيد المرتزقة وجماعات التكفير لصغار السن وتوظيفهم لخدمة أيديولوجيا العنف، وظهور الخطابات المعادية لدولنا على ألسنة قيادات الطرفين، يوضح خطورة ما يحدث، خاصة بعد أن تبين أن الكثير مما يجري في المنطقة من اضطرابات سياسية وأحداث مروعة تقوم بها جماعات التكفير، تقف خلفها أصابع صهيونية وأياد أجنبية وإقليمية. وقد تأكد ذلك بعد القبض في المملكة العربية السعودية على 431 شخصاً يرتبطون بتنظيم «داعش» خططوا لإثارة الفتنة الطائفية وإشاعة الفوضى. والنقطة الجوهرية في هذا الموضوع تكمن في هذه العقول المنحرفة: 1- العقول المفخخة؛ والتي تمت تغذيتها بمبادئ ومفاهيم خاطئة وملغومة ممن نصبوا أنفسهم كأوصياء على الإسلام، ليسلك أصحابها هذا الطريق الدموي العنيف، ما جعلها قنابل متفجرة تخرب وتدمر وتفجر في مواقع عدة من العالم العربي والإسلامي. 2- العقول المستعمرة؛ وأعني بها من يدعون بأنهم أصحاب فكر وأصحاب فلسفة وثقافة، ويختصون أنفسهم بمزاعم فكرية ومعرفية لا أساس لها من الصحة، بعضهم يجهل أبسط تعاليم الإسلام ومقاصده وما يدعو إليه من خير ومحبة وتسامح وتعايش، وبعضهم يعتنق أيديولوجية صريحة تعادي الإسلام (الإلحاد مثلاً)، وقد سقط أكثرهم في غواية هذه الأيديولوجيات وما يقوله أعداء الإسلام عنه، بغية تشويهه والإساءة إلى نبيه والطعن في القرآن الكريم. لقد أصبح هؤلاء خدماً لمثل هذه الأفكار التي تعمل على تشويه التراث الإسلامي وتشكيك المجتمع في دينه وعقيدته، في محاولة لإيجاد أجيال وجماعات حاقدة على الدين والوطن والأمة.