اتبع طلاب أقسام العلوم السياسية في العديد من الجامعات العربية أسلوب المحاكاة في الدراسة، فكونوا نماذج للجمعية العامة للأمم المتحدة، وللبرلمانات، ومؤسسات الرئاسة، وناقشوا قضايا مهمة، مطروحة في الواقع الفعلي، واتخذوا بشأنها قرارات، وكتبوا تقارير عما فعلوا، فمنحتهم هذه العملية التخيلية في النهاية قدرة على فهم ما يجري ونقده، وتقديم البدائل المهمة للسياسات القائمة. والمحاكاة في عمومها هي تصوير للعالم الخارجي وتمثل له، وقد انشغل بها الفلاسفة منذ القرون الغابرة، وفي المجال السياسي تقوم نظرية المحاكاة على تقليد أو تشخيص مفتعل عن الواقع الاجتماعي الحقيقي، عبر خلق بيئة مشابهة لبيئة الظاهرة المعقدة التي تتم دراستها، وبينما لا يكون بوسعنا أن نمسك بتلابيب الظاهرة في الواقع فإنه بإمكاننا أن نفعل ذلك في التجربة الافتراضية أو في المحاكاة، بما يعطي الباحث فرصة قوية لتحليل الظاهرة من شتى جوانبها، بعد أن أحكم ما يتخيله عن تصرف الطرف الأصلي من خلال مراقبة المقلد أو المحاكي. وتستخدم هذه النظرية لدى علماء العلاقات الدولية والخبراء الاستراتيجيين وكذلك في تعليم الطلاب كيفية اتخاذ قرار معين بشأن ظاهرة قد درسوها جيداً. فيمكن لخمسة أشخاص مثلًا أن يتخيلوا أنهم يلعبون دور متخذ القرار في خمس دول مفترضة، بعد أن يتهيأ لهم مناخ يشعرهم فعلاً بأنهم زعماء دول وعليهم أن يقرروا برشد وإحكام، في ضوء المعلومات الكافية التي يتم توفيرها لهم، والأهداف التي يجب أن يصلوا إليها، في فترة زمنية محددة. وإلى جانب المحاكاة يمكن استخدام نظرية المباريات في فهم السياسات، وهي عبارة عن تحليل لتضارب المصالح أو تصارع الأهداف يستخدم الرياضيات بغية الوصول إلى أفضل خيار ممكن، لاتخاد القرار الأكثر رشداً. وعلى رغم أن أصل هذه الطريقة مستند إلى ما يتبع في ألعاب التسلية، فقد جذبت انتباه علماء السياسة والاقتصاد والاجتماع وخبراء الحرب وتحليل الصراعات، وساعدتهم، بشكل ملموس، على دراسة البدائل والخيارات والتقاط الأفضل، من خلال التفسير العقلاني المجرد الذي يجمع بين المنطق والرياضيات. ويرى عالم السياسة «كارل دويتش» أنها منهج يستند إلى وجود تشابه كبير بين بعض لعب المباريات الاعتيادية، وبعض الحالات الاجتماعية المتكررة، ولذا فحين نجد تشابهاً بين الأمرين فإن من الأجدى أن نقوم بتحليل المباريات ابتداءً بدلًا من الحالات الاجتماعية، فنفهم من الأولى، التي هي أقل تحديداً، الكثير عن الثانية التي هي واسعة ومفرطة في التعدد والتعقد والغموض. ويشاطره «مارتن شوبيك» الرأي، ويرى أن هذه النظرية تعطينا طريقة مهمة لدراسة صناعة القرار في حالات الصراع أو التعاون عبر عمليات رياضية محددة. فيما هي في نظر «ستيفن برامز»، مجموع القواعد التي تربط اللاعبين أو المؤتلفين. وفضلًا عن صناعة القرار في السياسات العامة والمحلية، والمنافسة الحزبية، يستعمل العسكريون هذه النظرية للتنبؤ بالخطوة القادمة التي سيقدم عليها العدو في الحرب. والمباريات نوعان: الأولى مباراة صفرية: وهي المباراة التي تتساوى فيها مكاسب اللاعب الأول مع خسائر اللاعب الثاني أو العكس بحيث يحصل الرابح على كل شيء ولا يحصل الخاسر على شيء يذكر، ومن ثم تبقى محصلة هذه المباراة هي الصفر وتكون مغامرة ومقامرة كاملة بالنسبة للمتنافسين أو المتصارعين. ومن الأمثلة على هذا النوع من المباريات معركة «ثغرة أفرنشز» بين القائدين العسكريين، الأميركي «برادلي» والألماني «فون كلوخ»، عقب غزو الحلفاء لنورماندي في أغسطس 1944 ضمن مجريات الحرب العالمية الثانية، وكذلك معركة «بحر بسمارك» البحرية خلال الحرب العالمية الثانية أيضاً بين القوات البحرية الأميركية واليابانية. أما الثانية فهي المباراة غير صفرية: وهي المباراة التي تفرض وجود مساحة واسعة للتنسيق والتعاون بين طرفي عملية الصراع حيث إنهما قد يخسران معاً أو يكسبان معاً أي أن اللاعبين لديهم مصالح تنافسية وتعاونية في الوقت نفسه. وتفترض هذه النظرية وجود مجموعة من اللاعبين يرمي كل منهم إلى تحقيق ربح كامل على حساب غيره، أو إنجاز وضع حسن للجميع، وتختلف نظرة كل طرف للربح وللخسارة حسب عدة معايير منها: القيم التي تسيطر على سلوك الأطراف المنخرطة في اللعبة، والقواعد التي تحكمها، وحجم المعلومات المتوفرة لدى كل منها، وإدراكاتها المتبادلة، وبيئة اللعب، ومراقبة كل حركة يقوم بها الطرف نحو تحقيق هدفه وتعديل الاختيارات بناء على هذا.