الاتفاق النووي مع إيران كفيزياء الكم، التي قال عنها «شرودنغر»، أحد أشهر علمائها في القرن الماضي، «ليست المهمة في رؤية ما لم يره أحد بعد، بل التفكير بما لم يفكر به أحد بعد، في ما يراه كل شخص». وما لم يفكر به أحدٌ بعد هو دورُ روسيا في عقد الاتفاق، الذي استغرق التفاوض حوله 20 شهراً. أوباما اعتبر، في حديثه مع «نيويورك تايمز»، دورها حاسماً في «التوصل للاتفاق، رغم الاختلافات معها بسبب مشكلة أوكرانيا»، وأعرب عن دهشته من أن «بوتين والحكومة الروسية عزلا موضوع الخلاف، وما كنا سننجز هذا الاتفاق لولا استعداد روسيا للتضامن معنا وباقي أعضاء (مجموعة 5 + 1) في الإصرار على صفقة قوية». وتنص الاتفاقية، التي تقع في 159 صفحة، على رفع العقوبات الدولية عن إيران، مقابل تقليل 98% من مخزونها لليورانيوم المخصب، وإلغاء ثلثي أجهزة التخصيب، وإتاحة الفرصة لوكالة الطاقة الذرية للتفتيش «أين ومتى يكون ضرورياً»، حسب أوباما. وأصعب فقرات النص النهائي للاتفاق، الذي استغرقت مناقشته 17 يوماً متصلة، رفع الحظر عن امتلاك ِإيران للأسلحة التقليدية بعد ست سنوات، والصواريخ الباليستية بعد ثماني سنوات. وخشية تأثير ذلك على الانتخابات الرئاسية القادمة استشار كيري أوباما، الذي قال له: «هذا يعني خسارة أفضل فرصة لوقف البرنامج النووي الإيراني لمجرد وجود خطر في وقت ما مستقبلاً في أن تمتلك إيران أسلحة أقل خطراً». والدور الروسي يتعدّى بوتين، كما تَعَدّت روسيا انهيار الإمبراطورية السوفييتية. فهذه ثاني مرة تلعب فيها الدبلوماسية الروسية الدور الحاسم في وقف الحرب مع إيران، وكانت المرة الأولى عندما عجزت الضغوط الخارجية عن إقناع إيران بوقف حربها مع العراق، فيما أثمرت وساطة روسيا إعلان الخميني لوزير الخارجية الروسي آنذاك شيفارنادزه موافقته على وقف الحرب، وقال كلمته المشهورة عن تجرع السم، والتي يتردد صداها حتى اليوم. وكل ما تفعله واشنطن حالياً في أفغانستان والعراق وسوريا هو محاولة للخروج من الحروب. تعرف تفاصيل ذلك الدبلوماسية الروسية العتيدة التي قامت بـ«تزييت» مواقع الاحتكاك بروح النكتة الروسية، وروت إحداها الصحف الأميركية عن دخول وزير الخارجية «لافروف» على خط الصراخ بين «كيري» و«ظريف»، الذي حذّر: «لا تُهدِّدْ إيرانيّاً أبداً»، فأضاف «لافروف» فوراً: «ولا روسيّاً أبداً»، فضَجّ المجتمعون بالضحك. وحركة السلام العالمية التي أطلقها الاتحاد السوفييتي منتصف القرن الماضي، واجتذبت ملايين الناس حول العالم كانت موضوع نكتة مشهورة منذ عهد خروتشوف، الذي أرسى دعائم الانفراج الدولي والتعايش السلمي. تقول النكتة: «اندلع السلام العالمي، ولم يُبق حجراً على حجر». وهذا ما قد يحدث للعالم إذا توقف الإنفاق العسكري الذي بلغ العام الماضي نحو تريليوني دولار، حسب تقرير «معهد استوكهولم لأبحاث السلم الدولي». ويمثل الرقم مجموع الموازنات العسكرية لدول العالم، وهي أقل بكثير من كلفتها، كما في حرب العراق مثلا، والتي عجز عن حسابها عالم الاقتصاد «جوزف ستيغلَتز» الفائز بجائزة «نوبل»، لكنه قدّرها بما بين ثلاثة وستة تريليونات دولار. وبالتريليونات يُقاسُ دافع واشنطن لعقد الاتفاق مع إيران. فمجموع الدين الأميركي العام بلغ الشهر الماضي نحو 13 تريليون دولار، أكثر من تريليون دولار منها للصين فقط. ويبدو كالأحلام السريالية، تقرير عنوانه «الخطوة التالية لإسرائيل بعد الاتفاقية النووية التاريخية مع إيران». وينقل التقرير عن مصدر في وزارة الدفاع الروسية أن «أوباما اتصل هاتفياً يشكر بوتين على الدعم الروسي، وأخبره بأنه يُعدُّ الآن لإطلاق قوة وجبروت الناتو ضد إسرائيل خلال ثلاثة أشهر القادمة». وزعت التقرير عبر الإنترنت «مجموعة المساواة والسلم والعدالة» التي يشرف عليها «سميع البناء»، وهو عالم كومبيوتر أميركي، أصله من الموصل في العراق، ويدير «شركة علوم الكومبيوتر» الأميركية (CSC) التي تبلغ أعمالها 12 مليار دولار. ------------------------- *مستشار في العلوم والتكنولوجيا