ـ ـ ــ ــ ـ ــ ـ قبل بضعة أسابيع من إبرام الاتفاق النووي الإيراني، زعمت أن المفاوضات يمكن أن تصل من الناحية النظرية إلى نتيجة مقبولة، حتى إذا توقع المرء أن النظام الإيراني سيمارس بعض الخداع. ولا أزال أعتقد ذلك. لكن ما لم أتصوره أن تكون مساحة المراوغة منصوص عليها في الاتفاق. وأخشى أن يكون هذا ما حدث بالفعل. ولا أشير إلى قضية ما إذا كانت إيران يمكن أن تخفي عدم التزامها بين طيات المتاهة البيروقراطية التي رسختها «خطة العمل الشاملة المشتركة»، عندما يصل القادة الإيرانيون ومفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى طريق مسدود في لحظات تكاد تكون محتومة. فقد تناول آخرون هذه النقطة باحترافية شديدة. لكني معني هنا بما سيحدث إذا لم تتراجع إيران عن موقفها في نهاية أحد الخلافات بشأن التفتيش. وتحليلي للاتفاق المكون من 159 صفحة: أنه لن يحدث شيئاً على الأرجح! ودعونا نطرح مثالاً، فبموجب خطة العمل، يتم السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم في منشأة «نتانز» فقط، وبدرجة تصل إلى 3.67?، أي أقل من درجة تصنيع الأسلحة. ولنفترض أنه بعد عدة سنوات، وبمجرد أن تهدأ الأمور، اكتشفت الولايات المتحدة أن إيران تنشأ موقعاً نووياً آخر بطريقة غير قانونية بعيداً عن «نتانز»؛ لتخصيب اليورانيوم عند درجة 5?، وهو نطاق غير شائع في مفاعلات المياه. وهذا الرقم لن يكون كافياً لإنتاج مواد انشطارية لتصنيع أسلحة، لكنه يتجاوز رغم ذلك المستوى المسموح به بموجب الاتفاق عند 3.67?. عندئذ من المفترض أن تمرر الولايات المتحدة المعلومة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. والجزء التالي من العملية يقرره الفصل «كيو» من الملحق رقم «1» في خطة العمل. وبموجب الفقرة رقم 75، ستطلب الوكالة من إيران «توضيحاً». وإذا لم يكن التوضيح مرضياً، فإن الفقرة 76 تسمح للمفتشين بطلب دخول الموقع الجديد. وتمنح الفقرة 77 الحق لإيران في عرض «وسائل بديلة» بدلاً من التفتيش لحل القضية. فمثلا يحق لإيران التذرع بأن الموقع ذي حساسية عسكرية، لكنها تعرض نسخاً لمحتويات كافة أجهزة الكمبيوتر كي تدرسها الوكالة الدولية. ولن يتأكد المفتشون، مما إذا كان لديهم نسخ من كافة الأقراص، وربما لا يتمكنون من معرفة أي النسخ تم استبدالها، ومن ثم سيصرون على الدخول. وإذا وصل الطرفان إلى طريق مسدود. تبدأ عجلة البيروقراطية في الدوران. وفي هذه الحالة، إذا قرر خمسة من الأعضاء الثمانية في اللجنة المشتركة المؤسسة لضمان الالتزام بالاتفاقية، أن على إيران منح المفتشين حق دخول الموقع، بينما تصر إيران على الرفض، في هذه المرحلة، يتم عرض النزاع على مجلس الأمن الذي سيصوت إما على مواصلة رفع العقوبات أم إيقافه. وبالطبع يمكن للولايات المتحدة استخدام حق الفيتو ضد القرار حتى إذا صوت عليه بقية أعضاء مجلس الأمن. وقد يعتقد البعض أن هذه الإجراءات جيدة، ولن تتمكن إيران من الخداع لأن التكاليف ستكون كبيرة. ولكن، هل نتخيل حقاً أن الغرب سيخوض كافة المتاعب المتعلقة بإعادة فرض العقوبات الأممية بسبب أحد المواقع التي تخصب عند درجة دون المستخدمة في الأسلحة النووية؟ بالطبع، الظروف السياسية عندئذ ستكون مهمة، لكن التصورات النظرية والمفاهيم العامة تساعدنا على التوقع، وفي مقالي السابق، أشرت إلى أنه يمكن التسامح مع درجة من الخداع، طالما أن مكاسب الغرب عموماً من الاتفاق تفوق تكلفة الخداع الإيراني. وإذا كان الخيار بين السماح بعدم تفتيش هذا المعمل الوحيد غير القانوني لفترة من الوقت أو إعادة فرض نظام العقوبات بشكل كامل، فأعتقد أن الغرب سيغض الطرف. وفي الحقيقة، سيكون من الفطنة أن يفعل ذلك بدلاً من أن يقوض اتفاقاً يجدي من جوانب أخرى. والمشكلة أن الغرب، في تركيزه على وضع آلية لإعادة فرض العقوبات، لم يترك لنفسه أسلحة أخرى أخف، ومثلما أوضح كثير من المحللين، هناك خيار إعادة فرض العقوبات الأممية بشكل كامل.. ولا شيء سوى ذلك. ولنتذكر أن الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة، تعهدت بعدم فرض أية عقوبات إضافية بشأن الملف النووي سوى من خلال العملية المنصوص عليها في الاتفاق، والتي تكون عبر اللجنة المشتركة ومجلس الأمن. وما من سبيل لفرض عقوبات محدودة مقابل أي انتهاكات ضئيلة. وهذا ما أعنيه بقولي: إن هناك مساحة للمراوغة منصوصاً عليها في الاتفاق. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ستيفن كارتر* ------------------------------------ * أستاذ القانون في جامعة «يل» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»