بعد عامين من الدبلوماسية الشاقة، توصلت إدارة أوباما، في نهاية المطاف، إلى إبرام اتفاق نووي مع إيران. ولكن الفحص الدقيق لـ«خطة العمل الشاملة المشتركة»، يبين أنها تسمح بقدرة تخصيب أكبر من اللازم، وتسمح بنظام تحقق ينطوي على ثغرات أكثر مما ينبغي، وآليات للوصول للمنشآت النووية الإيرانية تحوطها شكوك أكثر مما يجب. بالطبع؛ ليس هناك اتفاق كامل. ولكن حجم عدم الكمال في بعض الأحيان يكون أكثر مما يمكن السماح به، بحيث يكون المسار الحكيم في حالة مثل هذه هو رفض الاتفاق، والبدء في مفاوضات جديدة، للتوصل لاتفاق آخر أكثر صرامة. والطريق لتحقيق ذلك يتمثل في قيام الكونجرس بالتصويت بالرفض على «خطة العمل المشتركة الشاملة». قبل الاتفاق المؤقت عام 2013، كان موقف إدارة أوباما والدول الخمس الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن زائد ألمانيا، يرتكز على معايير معقولة نوعا، منها أن يكون لدى إيران برنامج تخصيب رمزي مكون من عدة مئات من وحدات الطرد المركزية؛ ومنها أن إيران لن تعامل على أنها عضو عادي في اتفاقية الحد من الانتشار النووي، ما لم تحوز أولاً ثقة المجتمع الدولي، وتأكده من الطبيعة السلمية لبرنامجها. ولكن ما حدث هو أن تلك المعايير المعقولة، جرى تجاوزها بواسطة سلسلة من التنازلات التي بدأت عام 2013 بمسارعة الولايات المتحدة بالتلويح بفكرة «فترة الانطلاق» Breakout period التي يتم السماح بموجبها لإيران بالاحتفاظ بجزء كبير من أجهزتها للتخصيب النووي. الأكثر إثارة للقلق من ذلك هو ما نص عليه الاتفاق من أنه بعد انقضاء فترة سريان الحدود والقيود الموضوعة، سيتم التعامل مع البرنامج النووي الإيراني بنفس الطريقة التي يتم بها التعامل مع أي دولة غير نووية عضو في اتفاقية الحد من الانتشار النووي؛ وهو ما يعني فعلياً أن إيران تستطيع حينئذ البدء في إقامة بنية تحتية «ذات حجم صناعي» مماثلة لتلك الموجودة لدى اليابان، وهي بنية تستطيع بعد أن تنتهي منها أن تنطلق بأقصى سرعة لتصنيع القنبلة في أقصر وقت قبل أن يتم اكتشاف نواياها. في الأسابيع القادمة، سوف تبرر الإدارة الأميركية التنازلات التي جرى تقديمها، بالاعتراف بأن الاتفاقية تؤسس لنظام تفتيش غير مسبوق؛ في حين أن خطة العمل المشتركة الشاملة تنبني في الحقيقة على ما يعرف بنظام «الدخول المرتب» للمنشآت الإيرانية، الذي يعني أنه يتعين على الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تقدم دليلاً موثوق به، على وجود أنشطة غير مسموح بها، إذا ما شكت في وجود مثل تلك الأنشطة، ثم تتفاوض مع إيران على دخول محدد بتوقيتات زمنية لمفتشيها لإجراء التفتيش اللازم. وهذه الصيغة تعتبر أقل من صيغة التفتيش التي تعهد بها وزير الطاقة «ايرنست مونز»، وهو في الوقت نفسه كبير العلماء النوويين الأميركيين، الذي قال في نهاية أبريل: «نتوقع أن يكون لدينا حق الدخول للمنشآت النووية في أي مكان، وفي أي وقت». خلال أشهر قليلة ستتوقف إيران من الناحية الواقعية عن أن تكون دولة خاضعة للعقوبات. فعلى الرغم من الإجراءات التفصيلية والدقيقة التي نص عليها الاتفاق لإعادة فرض عقوبات مجلس الأمن في حالة إخلال إيران بالتزاماتها، فإن العقوبات الاقتصادية- وهي العقوبات الأكثر أهمية دائماً- سوف ترفع بسرعة، ولن يكون من السهل إعادة فرضها بعد ذلك. يشار إلى أن الحظر النفطي الأوروبي، والقيود المصرفية الدولية، والجهود الرامية لفصل إيران من الاقتصاد العالمي سوف يتم تعليقها بموجب هذا الاتفاق. إن «خطة العمل الشاملة المشتركة» تعتبر في رأينا من أكثر اتفاقيات الحد من الأسلحة تساهلاً من الناحية التقنية في التاريخ. مع ذلك، فإننا لم نفقد كل شيء بعد، ونستطيع من خلال العودة مرة ثانية لمائدة المفاوضات وإجراء تعديلات معقولة أن نزيل ما تنطوي عليه من عيوب. في هذا الوقت المتأخر، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن بها إعادة فتح الاتفاقية، وتعديلها هي أن يقوم الكونجرس أولا برفضها. وبعد ذلك يمكن لإدارة أوباما، أو الإدارة التي ستخلفهاـ العودة للطاولة والاعتراف بأنه نظراً لغياب أساس لدعم الاتفاقية من جانب الحزبين الكبيرين، فإن هناك بنوداً رئيسة في الاتفاقية يجب أن يعاد النظر فيها. وفي نهاية تلك العملية، قد يتوافر أيضاً لدى الولايات المتحدة، القدرة على الحصول على اتفاق قابل للاستمرار، يمكن الاعتماد عليه، في تغيير مسار إيران النووي. ايريك إيديلمان: وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون السياسات من 2005 - 2010 وراي تقيه: زميل رئيسي في مجلس العلاقات الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»