يوم الثلاثاء الماضي، كرر «ماريو دراغي» محافظ البنك المركزي الأوروبي موقفه من أن مؤسسته «كانت تعمل بشكل دائم على أساس الافتراض بأن اليونان ما زالت وستبقى عضواً في منطقة اليورو». وقدم أيضاً بيانات صادمة حول المشاركة الضخمة للبنوك المركزية الأوروبية في النظام البنكي اليوناني، التي تعدت إيداعاتها فيه مجموع الإيداعات في البنوك الأخرى مجتمعة. ولعل الحقيقة الأكثر أهمية هي التي تكمن في أن دافعي الضرائب الأوروبيين قد أصبحوا البديل الضمني والعلني معاً لكل أنواع المقرضين والمودعين والمستثمرين في اليونان. وهذا التوجه الأوروبي نحو تحميل المستحقات الخاصة على كاهل المجتمع سوف يستمر، وبما يجعل منطقة «اليورو» أكثر قرباً من أن تصبح أمام خيارين متناقضين: فإما التمسك بالاتحاد النقدي، أو طرد اليونان من العملة الموحدة. وكلا الاحتمالين غير مرحب به بالنسبة للعديد من دول الاتحاد الأوروبي. وعلى أمل وضع حدّ لظاهرة التدفق الضخم للودائع من اليونان، لجأ البنك المركزي الأوروبي إلى استخدام أدوات «المساعدة الطارئة لتأمين السيولة»، لضخّ ما يقارب 100 مليار دولار في النظام البنكي اليوناني. وبالرغم من هذا الإجراء، أثبت ضخ الأموال عدم كفايته لتجنب إغلاق النظام البنكي الذي استمر لثلاثة أسابيع. ونتيجة لذلك، أصبح البنك المركزي الأوروبي الآن واقعاً تحت ضغوط سياسية هائلة من أجل زيادة المساعدة الطارئة لتأمين السيولة بالرغم من بروز دليل واضح على أن المؤسسات المالية اليونانية تعاني مشاكل تتعلق بنقص الملاءة وليس بزيادة السيولة. وعلى أن هذا الاستبدال للأموال العامة بالتمويل الخاص ليس بالظاهرة الجديدة. فلقد سبق أن حدث على نطاق واسع منذ عام 2010 من أجل تمويل اليونان. وعندما كانت الدولة اليونانية تسعى لتجنّب الإفلاس، ووجه المقرضون الخواص بتزايد الانكشاف exposure (الانكشاف هو تحوّل الاستثمار إلى ممارسة غير مأمونة العواقب) لجزء من المؤسسات المالية الأوروبية الرسمية وصندوق النقد الدولي في اليونان. وحتى فيما يتعلق بالجانب الاستثماري، فإن النشاط الاقتصادي الضئيل الذي تحقق في اليونان كان أكثر تأثراً بالمؤسسات المالية العمومية من المستثمرين الخواص. ولم يكن هذا يمثل مشكلة كبيرة لو كان الاقتصاد اليوناني النامي والقابل للحياة على المستوى المطلوب. ولكنه، وبسبب الضغوط التي تعرض لها من جديد من طرف صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع، فلقد أصبحت اليونان رهينة ديون هائلة. وبأخذ كل هذه الظروف بعين الاعتبار، فلقد أصبح المقرضون الرسميون، أكثر اقتراباً من ذي قبل من نقطة المنعطف الخطير للطريق في أثناء تحضيرهم لحقنة جديدة من الصناديق المنتجة للديون بموجب الصفقة التي تم إبرامها الأسبوع الماضي. وتثبت كل المقاربات الخاصة باليونان بشكل متزايد أن من الصعب ضمان استدامتها، ولا يعود ذلك للقضايا المتعلقة بـ«رغبة وقدرة» اليونان على الالتزام بالمعايير التي تفرضها اتفاقية الإنقاذ الأخيرة، فهناك أيضاً امتعاض يسود أوساط المقرضين لأسباب متعددة، من بينها المشاكل التي لم تجد حلاً، التي تتعلق بالمشاركة في تحمل الأعباء الناتجة عن التعثر المالي لليونان. ومع مرور الوقت، سيؤدي هذا الطريق المسدود إلى واحدة من نتيجتين متضاربتين: فإما أن تجد أوروبا نفسها وهي غارقة عن رضى وقبول في عملية دمج مالي أكثر قوة لليونان، وبالتالي العمل على وضع أسس جديدة للتكامل المالي الذي تعارضه ألمانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى، أو أن يحتاج المقرضون الرسميون إلى قبول التنازل عن مطالبهم لليونان، وهو الحل البغيض الذي لن ترضى به بعض الدول الأعضاء في منطقة «اليورو». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»