لقد مُنيت فرنسا بثلاثة إخفاقات خلال هذا القرن في ترشحاتها لاستضافة الألعاب الأولمبية: ألعاب باريس الصيفية في 2008 و2012 والألعاب الشتوية في بلدة «آنسي» 2022. ولكن هذا لا يعني أيضاً أن نستنتج تلقائياً أن فرنسا لا تستطيع تحقيق نصر في الترشح لاستضافة مسابقة رياضية دولية، ذات أهمية كبرى. وعلى سبيل المثال، فقد استضافت من قبل نهائيات المسابقات الدولية في ألعاب القوى سنة 2003، وكأس العالم في «الريجبي» في 2007، وستستضيف في القريب العاجل نهائيات كأس أوروبا لكرة القدم في 2016 و«الرايدر كوب» للجولف في 2018. ولذا فإن الترشحات الفرنسية لاستضافة المنافسات الرياضية الكبرى تعرف أحياناً النجاح أيضاً. وفيما يتعلق بأولمبياد 2008، لم تكن لملف ترشيح باريس أية فرصة للفوز في مواجهة ملف ترشيح بكين. ولم يكن بمقدور اللجنة الأولمبية الدولية رفض ملف ترشيح البلد الأكثر سكاناً في العالم، للمرة الثانية، وهو البلد الذي استثمر كثيراً في الحركة الأولمبية منذ زمن مديد. وفوق ذلك، لعل موقف فرنسا الحازم في مجال مكافحة المنشطات عام 2001 قد كلفها خسارة العديد من أصوات الدعم. وفيما يخص عملية ترشيح بلدة «آنسي»، اكتنفتها هي أيضاً، معضلات سياسية معقدة لم تكن لتفضي سوى إلى الفشل الذريع. وفي الأخير، جاءت الصدمة الحقيقية مع إخفاق باريس 2012، وهي عملية ترشيح خسرت في آخر لحظة وبفارق عدد محدود للغاية من الأصوات، في وقت كانت فيه فرنسا واثقة من الفوز. وليس من المؤكد حتى الآن أن الترشيح الجديد لاستضافة الألعاب الأولمبية 2024 سيكلل بالانتصار، ولكن دواعي فوز باريس تبدو مبررة. والامتناع عن تقديم ملف الترشح خوفاً من الخسارة سيشكل رسالة بالغة السلبية، موجهة لعموم الأسرة الرياضية. وهذا سيعطي انطباعاً عن فرنسا غير واثقة من ذاتها، بل تخاف من نفسها، وترتاب في أنها ليست في مستوى المنافسة على صعيد عالمي. ولذا فلا مناص من الدفع بملف الترشيح، وخاصة أنه سيكون عامل تعبئة وتوحيد للمواقف، وسيتيح لحظة شعور بالرضا الجمعي تبدو البلاد الآن في أشد الحاجة إليها. والظاهر أن القادة الفرنسيين الذين تعلموا كثيراً من إخفاق 2012 غير مندفعين. والدفع بأن فرنسا، وهي بلاد باعث الألعاب الأولمبية الحديثة «بيير دوكبرتان»، لم تتح لها فرصة استضافة الألعاب الأولمبية منذ سنة 1924، ليس حجة كافية في حد ذاتها لمنحها حق استضافة أولمبياد 2024 بشكل تلقائي. وعلى عكس ترشيح 2012 لعل من حسن الحظ حقاً أن الحركة الرياضية هي من يقود الدفع بترشيح باريس في هذه المرة، بدلاً من المسؤولين السياسيين. وبالاتفاق مع «دَني ماسغليا»، رئيس اللجنة الوطنية الأولمبية والرياضية الفرنسية، تقدم بالترشيح ثنائي مكون من «برنار لاباسيه»، وهو قائد رياضي يحظى باحترام عالمي، ويتقن الإنجليزية ويمتلك مهارات استراتيجية النفوذ والتأثير (وتحديداً فقد نجح في إدراج سباعيات الريجبي ضمن ألعاب الأولمبياد في ريو دي جانيرو)، ومعه «توني إستانغت»، الحائز على ثلاث ميداليات ذهبية في ثلاثة أولمبيادات مختلفة، وهو عضو جديد في اللجنة الأولمبية الدولية. ومن الناحية الرمزية، فقد جرى الإعلان الأول لترشيح باريس خلال اليوم الأولمبي، بحضور كوكبة ملفتة من الأبطال، في مختلف الألعاب والتخصصات الرياضية. ولذا يبدو أن عالم الرياضة كله في البلاد يلقي الآن بثقله وراء هذا المسعى، وهو من يتصدر التحرك. يذكر أن «غي دريت»، العضو الفرنسي الثاني في اللجنة الأولمبية الدولية، يتحرك ويحشد الدعم بشكل ملحوظ، في حين أن جان- كلود كيللي لم يكن بذات التحمّس خلال ترشيح 2012. وبطبيعة الحال يدعم هذا الترشيحَ أيضاً المسؤولون السياسيون (عمدة باريس، ورئيس الجمهورية، والوزراء، ورؤساء المناطق..الخ). وهم يؤازرون جميعاً الترشيح دون أن يكونوا في الواجهة. وهذه هي أفضل استراتيجية يمكن اتباعها: أن يتولى الرياضيون حمل المشروع، مع الحصول على ضمانات بدعم السلطات السياسية. ومن هنا كان الإعلان الرسمي من قبل الرئيس أولاند في 14 يوليو (اليوم الوطني الفرنسي). وقد بات معلوماً الآن أن بوسطن هي المدينة التي وقع عليها اختيار المجتمع الرياضي الأميركي. وهناك من يرى أنها هي الخيار المفضل، وخاصة بالنظر إلى أهمية مقابل حقوق البث التلفزيوني الذي تضخه القنوات الأميركية. ولكن مع هذا، فسكان بوسطن يبدون أكثر تردداً في استقبال الألعاب الأولمبية في 2024، كما ظل الدعم الداخلي هناك لهذا الترشيح يتآكل على مر الأسابيع. وقد تم إنشاء حركة «no Boston olympics» المعارضة لاستضافة الحدث، وهي تزداد حجماً وزخماً، وهذا لا يروق طبعاً للجنة الأولمبية الدولية. ولذا فليس من المؤكد أن بوسطن ستمضي حتى النهاية في ترشحها، بل إن اللجنة الأولمبية الأميركية قد تختار من هنا وحتى شهر سبتمبر مدينة أخرى مثل لوس أنجلوس لترشيحها. وفوق ذلك فتطبيق العدالة الأميركية خارج الحدود في القضايا الرياضية، وتحديداً في ما يعرف الآن بقضية «فيفا غيت»، ليس مما يدفع أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية لمجاملة أميركا والمبالغة في إظهار اللطف معها، هذا إن لم يكن ذلك أصلاً سبباً في إظهار الانزعاج والامتعاض منها، في المقام الأول. ولكن بوسطن أيضاً ليست هي المنافس الوحيد لباريس على استضافة أولمبياد 2024. فباكو، عاصمة أذربيجان، التي استضافت للتو الألعاب الأوروبية لأول مرة، يمكن أن تنافس هي أيضاً، تماماً مثل العاصمة القطرية الدوحة. ولكن يبدو من الصعب منح استضافة ألعاب 2024 لقطر بهذه السرعة بعد كأس العالم 2022، المثيرة للجدل هي نفسها. وبالنظر إلى أن دورة الألعاب الأولمبية 2020 ستكون في طوكيو، فهذا يقوي من فرص فوز بلد أوروبي بحق استضافة 2024. ومع أن روما مرشحة، إلا أن ملفها لا ينظر إليه على أنه صلب للغاية. ولذا فإن المدينة المنافسة الرئيسية لباريس ستكون على الأرجح هامبورج.