مع توقيع «خطة العمل المشترك الشاملة»، بين الدول الست الكبرى وإيران، تولى الفزع واليأس البعض، بينما تولدت لدى البعض الآخر رؤى متعلقة بشرق أوسط جديد، أعيد ضبط علاقاته على نحو دراماتيكي. وكلتا الرؤيتين تمثل نوعاً من رد الفعل المبالغ فيه. فكما أوضح أوباما، فإن التركيز في المفاوضات التي أفضت لتلك الاتفاقية كان على برنامج إيران النووي. فالولايات المتحدة لم تتبن الموقف الإيراني، ولم تخفف من قلقها بشأن سلوك طهران الإقليمي، ولم تبرئها من مسؤولية أفعالها العدائية ضد المواطنين الأميركيين، وضد حلفاء أميركا، وأصدقاءها في المنطقة. لم يكن ذلك هو التغيير الذي سعى أوباما إليه من خلال الصفقة مع إيران، كما أنه لا يوجد دعم في الكونجرس، ولا لدى الرأي العام في أميركا، لنهج تغيير العلاقة مع إيران في هذه اللحظة من الزمن. وعلى هؤلاء الذين يتخيلون أن «خطة العمل المشترك الشاملة»، تمثل مؤشراً على أن الولايات المتحدة، ستتخلى عن حلفائها التقليديين، وتعمل على توطيد علاقتها مع إيران، أن يهدأوا؛ لأن هذا أمر لن يحدث في أي وقت في المستقبل القريب. ولست متأكداً من أن إيران لديها الرغبة، أو حتى القدرة، على أن تهضم بسهولة مسألة إعادة ضبط مسار علاقاتها مع الولايات المتحدة. فإيران ما زالت تكن امتعاضاً عميقاً تجاه الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً. فلمدة خمسة وثلاثين سنة، ظلت إيران تغذي تيار الكراهية والبغضاء ضد الولايات المتحدة التي أطلقتها «الشيطان الأكبر». وهذه الذهنية المناوئة لأميركا متغلغلة في إيران، بل تمثل حجر الزاوية للهوية الإيرانية بعد ثورة الخميني. ولعقود طويلة، قدمت إيران نفسها كزعيمة للمقاومة المناوئة للغرب في العالم الإسلامي، وساندت جماعات وأحزاباً في لبنان وفلسطين، وتدخلت في سوريا والعراق واليمن، في محاولة لترسيخ دورها كقوة إقليمية، ولإضعاف دور أميركا، وحلفائها في المنطقة. وفي استطلاع رأي أجريناه عام 2012، في عدد من الدول الإسلامية، سألنا المستطلَعين: هل يحبذون «تحقيق السلام والتفاهم مع الغرب» أم «النضال المتواصل ضد إسرائيل»؟ وتبين من الإجابات أن المسلمين الوحيدين الذين فضلوا الخيار الثاني هم الإيرانيون بفارق كبير (63 - 37 بالمئة). وكان شعار«المقاومة» هو «القوة الناعمة» الذي استخدمته إيران سعياً لدور القيادة الإقليمية، مستفيدة في ذلك من دعمها للمقاومة في لبنان عام 2006 وغزة عام 2008، والادعاء في المرتين بأنها وقفت إلى جانب المقاومتين بينما تقاعس العرب الآخرون! وقد وصلت الرسالة التي أرادت إيران توصيلها للرأي العام في المنطقة آنذاك، وكانت التصنيفات الإيجابية حيال إيران في المنطقة العربية المصابة بصدمة عنيفة جراء العدوان الإسرائيلي تتراوح بين 70 و80 بالمئة. لكن الذي غير ذلك التوجه المؤيد لإيران وجعله يتحول ضدها كان هو الحرب في سوريا. فوحشية النظام السوري، والدعم القوي الذي قدمته طهران لدمشق كان بمثابة «المسمار في نعش» التصنيف الإيجابي المؤيد لإيران في العالم العربي. ورغم ذلك، فإيران متورطة حتى أذنيها، واستثمرت كثيراً في الصراع السوري، والرأي العام الإيراني يدعم سياسات حكومته في سوريا والعراق ولبنان واليمن، على نحو يشي بعدم احتمال وقوع تغيير وشيك في السياسات الإقليمية لطهران، كما أثبتت استطلاعات رأي أجريناها بهذا الخصوص. وبالطريقة نفسها أثر الخطاب المستخدم لتعزيز تحدي إيران للغرب في المسألة النووية، على الرأي العام الإيراني، الذي تبين من خلال استطلاع رأي أجريناه أن 87 بالمئة منه يؤيدون امتلاك بلادهم للسلاح النووي كوسيلة للدفاع عن النفس، ولكونه يمثل مصدراً للزهو القومي. وكما أكد الرئيس أوباما، فإن الاتفاق كان مقتصراً على برنامج إيران النووي، لذلك فهو صفقة جيدة من هذا المنظور. والآن، ينبغي أن نبدأ العمل الجاد لمواجهة المخاوف الإقليمية الأوسع نطاقاً، وفي الوقت نفسه، يجب على المتفائلين السذج والنقاد المذعورين، أن يأخذوا قسطاً من الراحة. فالمخاوف المتعلقة بقدرة إيران على إنتاج سلاح نووي، عولجت من خلال تلك الاتفاقية بالفعل، أما العملية المتعلقة برؤية ما إذا كان يمكن لهذه الاتفاقية أن تقود إلى تغييرات ذات شأن في السلوك الإيراني، وفي مواقف الأميركيين والإيرانيين على حد سواء، فقد بدأت للتو.