فازت إيران وانسحبت الولايات المتحدة الأميركية وبكل هدوء، ولم تعد تطيق صداع المقاطعة والحروب المعلنة والمصالح المختبئة. فالولايات المتحدة يبدو أنها لم تعد في ضائقة مالية كما كانت، وظروفها الاقتصادية في حاجة إلى سوق جديد هي والدول الغربية التي ستقضي على إيران لإرساء قواعدها الاقتصادية، خاصة أنها تشكو انهياراً اقتصادياً لم تشهد له مثيل. وهناك فرق كبير بين عدو استراتيجي يكون له هذا المسمى دائماً في أي خطط مستقبلية وبين دبلوماسية مضطرة إلى المجاملة، وإعلان حسن النوايا. ولن تفعل إيران إلا إضرام مزيد من النيران في المنطقة. فالغرور لم يفارق حديثها طوال مدة المفاوضات، فكيف بها، وهي دفعت فعلاً وحققت منجزاً مهماً في تاريخها. لا يهم كما يقوله الطرفان هذه الأيام وما تحويه وثيقة الاتفاق المكونة من 150 صفحة؛ لأن الخطوط العريضة تقول إن إيران تشعر بالزهو، ولا يعنيها كثيراً تفاصيل تفتيش المفتشين؛ لأنها منخرطة في أعمال نووية بالمنطقة، وأن توقف مفاعلها لا يعني أبداً تنازلها عن منجزاتها. ولعل أهم ما يمكن أن تفعله دول الخليج العربي، هو توحيد جمهورها، وإرساء لغة تخاطب جديدة مع كلا الطرفين، ودعم للفصائل المعتدلة في بعض الدول العربية التي تعرض لاعتداءات إيرانية، حيث تسعى طهران للسيطرة والهيمنة وبسط النفوذ. فالذين يحاولون التقليل من حجم «الإنجاز» الإيراني لن ينفعهم هذا الخطاب، فلا أفضل من المواجهة حتى تتم مناقشة القضايا بأبعادها الحقيقية وتداعياتها من كل الاتجاهات. ومن المهم بمكان تحديد العلاقات المستقبلية مع الأطراف كافة، فلا يجوز أن تدعم دول الخليج دولاً عربية، وهي في الوقت ذاته تستقبل، وتحتفي بأعداء استراتيجيين، وتقيم لهم المعارض! هذا اللعب والابتزاز لا بد أن يتوقف، وأن يتم التعامل بشدة وحزم مع مثل هؤلاء الذين يحسبون أن ألاعيبهم الضاغطة لمزيد من الابتزاز، قد تؤتي أكلها. وهم في الحقيقة لن يتوقفوا عن مثل هذه العلاقات المرتبكة؛ لأن قصر النظر الاستراتيجي، وتقديم دور دول الخليج في المنطقة صار منطلقاً لهم وعاملاً يحسب ضدهم لا لهم على طول الخط. لن يسقط دور «العدو الاستراتيجي» الذي تمارسه إيران ما لم تنسحب من سوريا والعراق وبيروت واليمن، وسلمت الجزر إلى أصحابها، وقتها فقط يمكن القول، إن هذا الدور بالإمكان تعليقه، حتى تثبت حسن النوايا، لكن إيران لن تفعل. إذا فإن الحل الأمثل هنا هو التعامل معها بندية وبوحدة صف، فلن يمكن بأي حال الاطمئنان إلى دولة لها كل هذا التاريخ العدائي.. يبدو أن المنطقة ستكتظ أكثر بالأحداث، ولكن الله سيُحدث أمراً لعله نصر قريب يرتجى لإيقاف زحف إيران الدموي في المنطقة.