انقسم العالم ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ على الاتفاق النووي، الذي تم الإعلان عنه منذ أيام بين الدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة وألمانيا وبين إيران. وكأن العالم قد استفاق عام 2003 على جهود نظام الحكم الإسلامي في إيران لامتلاك القنبلة النووية، متجاهلاً بذلك حقيقة تاريخية مهمة، ألا وهي أن الدول التي فرضت العقوبات الاقتصادية على إيران عام 2006 من خلال الأمم المتحدة هي ذاتها التي شجعت نظام الحكم الشاهنشاهي على تدشين العصر النووي الإيراني في خمسينيات القرن الماضي. فقد كانت النظرة الاستراتيجية لشاه إيران تركز على أن الاحتياطي الإيراني من النفط سينضب يوماً ما، وعليه فإن إيران لا بد أن تتجه لإنتاج الطاقة باستخدام البرنامج النووي برعاية غربية. وعليه ففي عام 1957 شرعت الحكومة الأميركية بالتعاون النووي مع إيران، بناء على برنامج إيزنهاور (الطاقة النووية مقابل السلام)، وهو ما تعزز بشراكة استراتيجية إيرانية - أميركية لبناء 23 مفاعل نووي مع حلول عام 2000. وفي الفترة من 1957 حتى 1979 تسابق الغرب في تأسيس مشاريع نووية في إيران. ففي عام 1967 دشنت إيران مركز طهران للأبحاث النووية بمساعدة واشنطن، وفي عام 1975 نشأ تحالف بين شركات أوروبية بقيادة شركة «سيمنس» الألمانية لبناء مفاعل نووي كان من المفترض أن يتم إنجازه عام 1981. وفي العام نفسه استحوذت إيران على حصة السويد (10%) في الشركة الأوروبية (يوروديف) المتخصصة في أبحاث تطوير اليورانيوم، والتي تأسست عام 1973 بين حكومات فرنسا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا والسويد. وفي عام 1976 أصدر الرئيس الأميركي الأسبق جيرالد فورد أمراً رئاسياً بمنح طهران امتياز شراء وتشغيل منشآت أميركية متخصصة في استخراج البلوتونيوم من الوقود النووي. ولكن مع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 توقفت تلك الاستثمارات الغربية تحت ضغط أميركي، وفي المقابل تطورت الشراكة الإيرانية - الروسية، والتي تم تتويجها بالإعلان عن إنجاز مفاعل «بوشهر» عام 2011 بمساعدة روسية، مما أشار لإمكانية أن تحل روسيا مكان دول غرب أوروبا والولايات المتحدة الأميركية اقتصادياً في إيران. وبناءً عليه، يتضح مدى الضرر الاقتصادي الذي كانت ستلحقه روسيا بالاستثمارات الغربية في إيران لو لم تعود إيران لحظيرة الاستثمارات الغربية. ولكن واشنطن تعتقد أن الاتفاق النووي الأخير سيساهم في إيجاد حل للتهديدات التي تحيق بالأمن الإقليمي في المنطقة وليس بالضرورة النظر إليه من منظور اقتصادي فقط. وهنا أستطيع الجزم بخطأ هذه الرؤية في ظل غياب آلية أميركية واضحة للحد من التهديدات الإيرانية في المنطقة. فإيران قبل الثورة الإسلامية كانت شرطي الخليج العربي التي احتلت الجزر الإماراتية الثلاث، وإيران بعد عام 1979 حققت في عهد "آيات الله" ما عجز عن تحقيقه شاه إيران. فإضافة لاستمرار احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، هناك التدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين وترسيخ النزاعات الطائفية في العراق ودعم كل من نظام الأسد في مواجهة الشعب السوري، ودعم «حزب الله» في لبنان، ودعم التمرد «الحوثي» في اليمن على الشرعية. وتثبت هذه السياسة الإيرانية بما لا يدع مجالًا للشك أن طهران «الثورة الإسلامية» لا تراعي حق الجوار، ولا تسعى للحق النووي بل ترمي إلى تحقيق مصلحة استراتيجية حيوية هي ذاتها التي استهدفها شاه إيران مع تبدل نظام الحكم. ألا وهي رعاية غربية لبرنامج نووي غير عسكري والضغط على الغرب لإعادة الاستثمارات للسوق الإيرانية، وغض البصر الغربي عن دور إقليمي يفرض هيمنة إيرانية وزعزعة الأوضاع في دول الجوار. وبالتالي من الضروري أن تفرض هذه الأجندة الإيرانية التي لم تتبدل منذ خمسينيات القرن الماضي على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن يكون لها استراتيجية موحدة لمواجهة هذا الدور الإيراني الرامي إلى تهديد الأمن الوطني لتلك الدول.