تمّ في العاصمة النمساوية فيينا توقيع الاتفاق على المشروع النووي الإيراني بين إيران من جهة ودول الخمسة زائد واحد، وكما هو متوقع فقد أظهر الجانبان ابتهاجاً وفرحاً بما يحسبانه إنجازاً تاريخياً، مع اختلاف الأسباب والدوافع، وبالمقابل قام التحالف العربي تجاه اليمن بتحرير مدينة عدن من ميليشيات «الحوثي» وأتباع المخلوع «صالح» بالقوة العسكرية الضاربة. بداية، فإن إيران قد حققت إنجازاً على المستويين الدولي والإقليمي إذا تمّ تمرير الاتفاق غربياً وهي مهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلةً وبالذات لإدارة أوباما الذي يواجه مشروعه هذا معارضة قوية من الكونغرس الأميركي، وهو قد أطلق بالفعل حملةً واسعةً لترويج الاتفاق باعتباره مصلحةً للولايات المتحدة الأميركية. أما فائدة إيران، فتكمن أولاً في رفع العقوبات وتحرير الأموال المجمدة، التي تعدّ بالمليارات والتي ستساعدها على نشر مزيدٍ من الفوضى ودعم الإرهاب وحركاته السُنية والشيعية، واستهداف الدول العربية، وثانياً في إعادة ترميم الاقتصاد الذي كان يعاني أشد المعاناة، وثالثاً في بناء قدرات عسكرية جديدة تهدد بها المنطقة وخصومها فيها. ولئن كان هذا صحيحاً، فالصحيح أيضاً هو أنها ستكون مجبرة على تسويق هذا الاتفاق داخلياً وقيادة حملة داخلية لترويجه مع استحضار أن كل نجاحٍ في ترويجه يأكل من مشروعية النظام الثوروية الإسلاموية، ويطرح أسئلة كبرى حول إيديولوجية النظام والموقف من «الشيطان الأكبر» والشياطين المصاحبة له، وبما أن النظام قد أثبت فعاليةً قمعيةً في مواجهة الاضطرابات الداخلية منذ الثورة الخضراء 2009 وصولاً لاحتجاجات الأقلية العربية في الأهواز والأقلية الكردية في الشمال، فهو فيما يظهر قادر على تطوير مزيد من أجهزة القمع وآلياته. غربياً، فلطالما كان الرئيس راغباً بشكل كبيرٍ في إنجاز هذا الاتفاق باعتباره اختراقاً سياسياً خارجياً يسجل في تاريخه قبل مغادرته البيت الأبيض، وسياسات الرئيس الخارجية التي كانت ولم تزل انسحابية وانعزالية قد أفقدت أميركا دورها القيادي في العالم، بالإضافة لبعض الرؤى التي ثبت فشلها وضررها البالغ في العالم وفي الشرق الأوسط تحديداً، وأهمها مراهنته على أن الإسلام السياسي وجماعاته ستكون بديلاً عن الأنظمة العربية، وأنها ستقضي على الإرهاب فيما كان يعرف بالربيع العربي، والذي تكشف عن ربيعٍ أصولي إرهابيٍ طائفي. خليجياً، هذا الاتفاق النووي هو اتفاق مؤقتٌ لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي لسنوات محددة فقط، وهو اتفاق سيطلق سباق تسلحٍ نوويٍ في المنطقة والعالم، وهو لا يتعرض لنقاط الصراع مع إيران، التي لا تقل أهمية عن المشروع النووي، وهي سعي إيران لبسط النفوذ والهيمنة على الدول العربية، وتدخلاتها المباشرة وغير المباشرة للتخريب في هذه الدول، ودعمها للإرهاب ونشرها للطائفية كسلاح سياسي، واحتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، واعتداءاتها على مملكة البحرين، ونشرها لخلايا التجسس، ومحاولاتها محاصرة السعودية ودول الخليج بالميليشيات شمالاً وجنوباً. ربما لو جاء هذا الاتفاق قبل «معركة الحزم» لكان أسوأ أثراً، ولكن دول التحالف العربي تجاه اليمن دخلت المعركة مبكراً في الذود عن أوطانها ومصالحها ومصالح الدول والشعوب العربية، ولا يشك عاقل في أن صانع القرار العربي قادر على خلق استراتيجيات كبرى لمواجهة هذا الخطر الإيراني المتزايد، والتعامل مع الاختلال في موازين القوى الدولية. الحروب والصراعات بين الدول لا بد أن تأخذ وقتها ومداها ويخطئ من يريدها أن تنقضي بين عشية وضحاها، وهذه بشائر الخير تأتي من اليمن، فبعد تدمير قدرات «الحوثي» وصالح ها هي قوات الجيش اليمني المدربة تدخل عدن وتدعم المقاومة الشعبية وتطهر المدينة من الإرهابيين عملاء إيران في اليمن، وتبشر بالمزيد في قادم الأيام. لقد أصبحت عدن المحررة هي نقطة الانطلاق لعودة الشرعية اليمنية، وهو ما بدأ بالفعل بعودة بعض الوزراء والمسؤولين اليمنيين، ومنها سيكون الانطلاق إلى بقية المناطق والمحافظات اليمنية الأخرى؛ لأن النصر المظفر فيها سيقود لانتصاراتٍ أخرى مكللةٍ بالمجد. قال الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي مبتهجاً بالنصر في عملية «السهم الذهبي» المظفرة: «إن العيد عيدان والفرحة فرحتان في عدن الصمود التي ستكون مفتاح الخلاص للشعب اليمني من هيمنة المتمردين الخونة». أخيراً، فإن قادة دول الخليج والتحالف العربي قادرون على إنجاز النصر تلو النصر في كافة التحديات الإقليمية والدولية والصعوبات ليست إلا عتبات في سلم المجد وصفحاتٌ بيضاء في سجل التاريخ.