قد يكون لـ«مايكل هايدن» المدير السابق للاستخبارات المركزية الأميركية وكذلك لوكالة الأمن القومي بعض الحق في تصريحه المؤلم الذي قال فيه: «لم يعد العراق موجوداً كدولة ولا سوريا، وأما لبنان، فقد هزم تقريباً، فيما يبدو أن ليبيا قد هزمت كذلك». فالواقع أنه جرى تفجير هذه الدول من الداخل وسحقها من الخارج بأبشع الطرق، وتعاونت في تدميرها أحياناً، كما في سوريا وليبيا، أنظمتها وجماعات العنف الإسلامية. ولكن هل شعوب هذه الدول اختفت كذلك.. من الوجود؟ د. فؤاد جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد يعزز هذه الرؤية المؤلمة نفسها، ويقول: «إن سوريا القديمة.. الدولة القومية والدولة نفسها لم يعد لها وجود، ما لدينا الآن هو اقتتال وعشائر متنافسة وكيانات غير تابعة للدولة وقادة فصائل، سيكون من الصعب للغاية إعادة سوريا لتكون دولة واحدة، انفصت عُرى النسيج الاجتماعي والصلات القوية التي تحافظ على تماسكه». ويتحدث عضو "الائتلاف الوطني السوري عبدالباسط سيدا عن تفكك سوريا، «منذ البداية تنبهنا إلى مسألة التقسيم لأن سوريا بلد متعدد والنظام سيستخدم ورقة العلويين، والمسيحيين، والكرد، إضافة إلى الدروز، للأسف قراءاتنا كانت خاطئة بالنسبة للثورة، أنا أعترف بخطأ في التقديرات، كنا فرحين بإنجازات الثورات العربية، وناقشنا المسائل الاستراتيجية»، ماذا عن العلويين «سند النظام»، كما يشار إليهم دائماً؟ «إن المشكلة تكمن في أننا لم ندخل بحوارات مع العلويين، كانت لدينا مفاتيح وحاولنا، لكننا لم نستطع تحقيق إنجاز مثل الذي حققناه مع المكون السوري الكردي، إننا وصلنا اليوم إلى حالة أن العلوي لا يثق بالجانب الآخر، عدم رضا العلويين عن الأسد لا يعني تأييد المعارضة، بل يبحثون عن مخرج بين الاثنين، وهو العزلة». «سيدا» بدوره يؤكد أن سوريا تذهب باتجاه التقسيم ويقول: ثمة مخاوف من قيام «مجموعة كيانات ضعيفة ستضطر لتعمل علاقات مع القوى الإقليمية، خطر التقسيم بات جدياً وواقعياً»، ما مدى مسؤولية المعارضة وما خطتها لمنع الكارثة؟ «للأسف لا تتعامل المعارضة بمؤسساتها مع الموضوع بجدية، ولا تتبنى حواراً حقيقياً بين السوريين، والكل ينتظر إذا ما كان المجتمع الدولي سيقبل بالتقسيم أم لا». مشكلة سوريا، يقول عمر قدور: «إن الاستثمار في الحرب فيها أكبر مردوداً من الاستثمار في التغيير وأحلام السلام، جزء لا يستهان به من اللامبالاة الغربية تجاه سوريا أنها لم تكن يوماً في دائرة النفوذ الغربي، وفي ظل انحسار الصراع العالمي على مناطق النفوذ لا تملك - سوريا - قيمة استراتيجية استثنائية تدفع الغرب إلى التدخل، لذا لا أمل إطلاقاً بمظلة غربية». أين تكمن المصلحة الغربية في الوضع السوري، مهما كان حجم الاهتمام؟ «للغرب مصلحة وحيدة أكيدة هي ألا تنتشر الفوضى السورية بحث تهدد الاستقرار الدولي، وألا تغنم المنظمات المتطرفة السلطة على نحو ما فعلته طالبان في أفغانستان». الواقع الممزق للمعارضة السورية يعاني، كما يقول أكرم النبي من ثلاث مفارقات وجوانب قصور في ممارسة دورها، فهي تركز على عقد المؤتمرات وكأن ما يجري لا يعنيها، وكأن ما تم عقده من مؤتمرات خلال السنوات المنصرمة لم يكن كافياً، وهي ثانياً لا تدرس خيار استخدام السلاح، ولا تملك رؤية استراتيجية واضحة في استخدامه، بل ولا يفهم أحد كيف تتجاهل هذه المعارضة قيام بعض فصائلها بفرض «نمط الحياة الإسلاموية إرهاباً على الناس، وعن الانتهاكات التي تمارس بحق المختلفين دينياً ومذهبياً، والأنكى حين يعتبر بعض قادتها ما تم من اندفاعات عدوانية ضد منتمين لأقليات مذهبية، مجرد أخطاء عابرة يمكن تجاوزها، مكررين خطاب التطمينات عن الإسلام الرحيم العادل». الجماعات الجهادية ثالثاً، التهمت المعارضة في الواقع، حيث يتناقص بشدة الوجود السياسي والمدني والمعارض في البلاد، فيما تلتحق الآلاف من الكوادر والكفاءات بالجماعات الجهادية من الدول العربية والغربية، ولم تنجح المعارضة المدنية في الوصول إلى شباب المهجر والمخيمات. ثقة في المنطقة فراغ سياسي استراتيجي مهول، وحاجة ماسة إلى تنسيق عربي عماده مصر والدول الخليجية والأردن، ولكن ما أبعد المشهد العربي حتى الآن عن تنسيق كهذا، بعد أن تبدد الوقت وضاعت الفرص. كاتب ومفكر- الكويت