في الرابع عشر من يوليو الجاري، تم التوقيع في فيينا على الاتفاقية النووية التي طال انتظارها بين إيران والقوى الست الكبرى. النص المتفق عليه للاتفاقية يقع في 100 صفحة، ويشتمل على ملاحق تفصيلية ستحتاج إلى وقت طويل لمراجعتها، واستيعابها بشكل كامل. ومع ذلك، فإن القراءة الأولية للاتفاقية تشير إلى أنها وثيقة شاملة تعكس مدى الجهد المبذول في المفاوضات التفصيلية والمضنية، التي جرت بين ممثلي الدول المشاركة، للتوصل إلى نص مشترك في خاتمة المطاف. البنود الرئيسية للاتفاقية تركز على موافقة إيران على الحد من نطاق برنامجها النووي، مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها من قبل المنظمة الدولية، وكذلك من قبل القوى الكبرى بزعامة الولايات المتحدة. وفيما يتعلق بالتحقق من التزام إيران ببنود الاتفاق، وافقت طهران على ما أسمته إجراءات «الدخول المنظم» لمنشآتها النووية، كما قبلت بمادة تسمح بإعادة فرض العقوبات، إذا ما خالفت -إيران- التزاماتها المتعلقة بوضع حد أقصى لتخصيب مخزوناتها من اليورانيوم. وقد تم إعلان الاتفاقية من قبل الممثلة العليا للسياسات الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي «فيديريكا موغيريني»، التي قرأت النص باللغة الإنجليزية، وتبعها وزير الخارجية الإيراني «جواد ظريف» الذي قرأ نفس النص حرفياً باللغة الفارسية. وعلى ما يبدو فإن مقداراً كبيراً من الجهد قد بذل لتلافي احتمال إدلاء ممثلي الفرقاء المتفاوضين بتصريحات متباينة بشأن المحتوى الدقيق للاتفاق. وهناك ملاحظتان واضحتان تتبديان في هذا السياق: الأولى، أن هذا النوع من الاتفاقيات سوف يكون نهائياً. فمن المستحيل من الناحية الفعلية، تخيل أن نفس المجموعة من المشاركين في صياغة الاتفاقية، سوف تعود مرة أخرى إلى نقطة البداية، إذا ما قام طرف أو أكثر برفضها عندما يتم تقديمها إلى مؤسساته المعنية، عند عودته إلى وطنه. الثانية، أنه من الواضح، مع ذلك، أن الرئيس باراك أوباما سوف يواجه معركة شاقة في الكونجرس، الذي يشهد بالفعل معارضة واسعة النطاق للاتفاقية، على الرغم من أن أعضاءه لم يقوموا بمراجعة نصها بشكل تفصيلي. ويشار في هذا الصدد إلى أن الأعضاء الجمهوريين، خصوصاً هؤلاء الذين ينوون خوض السباق الرئاسي العام المقبل، سوف يبدون تشككاً استثنائياً في الاتفاق، وسوف تنضم إليهم في ذلك الحكومة الإسرائيلية، وربما بعض الدول الأخرى، بسبب قلقهم جميعاً من التنازلات التي جرى تقديمها لإيران لتأمين إبرام الصفقة. وإذا ما أخذنا العداء المتوقع من جانب الجمهوريين في الحسبان، فإن التحدي السياسي الرئيسي لأوباما، سوف يتمثل في تأمين عدد كاف من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ إلى جانبه، كي يكون قادراً على إلغاء أي قرار برفض الصفقة، والتي مررت، بأغلبيات بسيطة في مجلسي النواب والشيوخ. وكان أوباما قد قال إنه لن يستخدم حق الفيتو المكفول له لنقض مثل هذا القرار. وهو ما يعني بالتالي أن المهم في هذا الصدد سيكون موقف مجلس الشيوخ. فمالم يقم ثلثا أعضاء المجلس بالتصويت لإبطال فيتو الرئيس، فإن الصفقة سوف تمضي قدماً. وتشير التوقعات إلى أنه بمجرد أن تتوافر لدى الإدارة الفرصة لشرح تفاصيل الصفقة، والتداعيات السلبية للغاية التي ستترتب على رفضها من قبل الكونجرس، فإن أوباما سوف يحصل على عدد من الأصوات يمكنه من التغلب على معارضيه. ومن بين أقوى الحجج التي يستطيع أوباما أن يقدمها تلك القائلة بأنه مالم يكن هناك رد فعل سلبي مماثل على الصفقة من قبل مؤسسات الأعضاء الآخرين في فريق التفاوض (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين)، فإن رفضها من قبل الولايات المتحدة بمفردها، يمكن أن يؤدي لإنهاء التعاون مع تلك الدول في موضوع احتواء البرنامج النووي الإيراني، وبالتالي التفكك التدريجي لنظام العقوبات المفروض على إيران. وفضلا عن ذلك، فإن إيران عندما تصبح غير ملتزمة بالاتفاق بسبب رفض الكونجرس الأميركي لتمريره، فإنها ستكون حرة في استئناف برنامجها النووي، دون أن تتعرض لأي من إلإجراءات الصارمة الخاصة بالتحقق من صدقتيها، والمضطرة للالتزام بها حالياً. وسوف تتعر ض الولايات المتحدة في هذه الحالة للوم، باعتبارها المسؤولة عن انهيار أهم اتفاق للحد من انتشار الأسلحة، يتم التوصل إليه خلال عقود. وإذا ما حدث ذلك فإن البعض سوف يشبهونه بما حدث في نوفمبر 1919 عندما أخفق مجلس الشيوخ الأميركي في المصادقة على معاهدة إنشاء عصبة الأمم، وحرم تلك المؤسسة من مشاركة أقوى دولة في العالم، وحكم عليها بالفشل في النهاية، على الرغم من أن الرئيس «وودرو ويلسون» كان يعتبرها حجر الأساس لإرثه التاريخي.