عادت قضية الكمية الهائلة من السكر الموجودة في المشروبات الغازية لدائرة الضوء مرة أخرى، بعد مطالبة نقابة أو جمعية الأطباء البريطانيين، بفرض ضريبة قيمة مضافة بمقدار 20 بالمئة على هذه النوعية من المشروبات. وتأتي مطالبة النقابة البريطانية، والتي تعد واحدة من أقدم المؤسسات الطبية، وتضم في عضويتها حالياً أكثر من 150 ألف طبيب، انطلاقاً من التقديرات التي تظهر أن 70 ألف شخص يلقون حتفهم سنوياً، في بريطانيا وحدها، بسبب الغذاء غير الصحي. وتأتي هذه التوصية، وتلك التقديرات، ضمن تقرير موسع أصدرته الجمعية البريطانية بعنوان (Food for Thought) تماشياً مع القلق المتزايد بين أعضاء المجتمع الطبي حول التأثيرات الصحية السلبية المتنوعة للإفراط في استهلاك ما يعرف بالسكريات البسيطة، بداية من تسوس الأسنان، ومروراً بزيادة الوزن والسمنة، ونهاية برفع احتمالات الإصابة بداء السكري من النوع الثاني. وتتوافق هذه المطالبة الأخيرة، مع خطة عمل كانت قد اقترحتها بداية الصيف الماضي، إحدى المنظمات الخيرية البريطانية العاملة في مجال الصحة الغذائية، أوصت فيها بضرورة تدخل الحكومات، والجهات الرسمية، من خلال القوانين والإجراءات التنظيمية، الهادفة للحد مما نتناوله من سكريات ودهون في طعامنا اليومي، إذا ما كان لنا أن نوقف مد وباء السمنة المنتشر حاليا بين غالبية شعوب ودول العالم. وتضمنت الخطة التي قُدمت حينها بناء على طلب من وزير الصحة البريطاني، التوصيات التالية: خفض كمية السكر المضاف للأطعمة والأغذية، بنسبة 40 في المئة، بحلول عام 2020. ومنع جميع أشكال التسويق الموجه للأطفال، والمُروّج للأطعمة المصنعة بدرجة عالية، وللأغذية والمشروبات غير الصحية. ومنع رعاية الفعاليات الرياضية من قبل شركات الوجبات السريعة. وخفض محتوى الدهون في الأغذية المصنعة، وبنسبة 15 بالمئة بحلول 2020. والحد من توفر الأغذية المصنعة بدرجة عالية، والمشروبات الغازية المحلاة، مع خفض حجم مقادير وحجم الوجبات. وإضافة ضريبة سكر (Sugar tax)، للحد من الطلب على الأغذية غير الصحية، وخصوصاً المشروبات الغازية، وتشجيع الطلب على الأغذية الصحية. ويمكن تخيل حجم كمية السكر الموجود في المشروبات الغازية، من حقيقة أنه في الوقت الذي توصي فيه منظمة الصحة العالمية بأن لا يجيب أن يزيد الحد الأقصى المتناول يومياً من السكر، عن ست ملاعق صغيرة، نجد أن علبة واحدة من المشروبات الغازية المعتادة، تحتوي على 9 ملاعق تقريباً، وترتفع هذه الكمية لأكثر من 12 معلقة في بعض المشروبات الأكبر حجما، وحتى ما يعرف بالمياه ذات النكهة، أي المضاف إليها نكهة اصطناعية، تحتوي على أربع ملاعق من السكر. ودفعت هذه الكميات الهائلة من السكر في المشروبات المنتشرة بشكل واسع في جميع محلات البقالة والسوبرماركت الكبيرة، العاملين في القطاع الصحي إلى إطلاق صفة (القنبلة الصحية الموقوتة) على تلك المشروبات. حيث أصبح من المعروف أن تناول مشروب غازي واحد محلى بالسكر، يزيد مثلاً من احتمالات الإصابة بالسكري، حتى ولو كان الشخص لا يعاني من زيادة الوزن أو السمنة، وهو ما يعني أننا جميعا، وبغض النظر عن أوزاننا الحالية، معرضون لمثل تلك المضاعفات. ويتوقع نهاية هذا الأسبوع، أن تقدم اللجنة العلمية الاستشارية عن التغذية في بريطانيا (Scientific Advisory Committee on Nutrition)، النصيحة النهائية عن الحد اليومي الأقصى المفروض تناوله من السكريات من جميع مصادرها، سواء كانت في شكل سكر أبيض، أو من المصادر الأخرى مثل الفواكه أو العسل. ويتوقع أن تُخفّض اللجنة العلمية الحد الأقصى للسكريات من 10 بالمئة من مجمل ما يتناوله الشخص من مصادر غذائية للطاقة إلى 5 بالمئة فقط، أي أن السكريات بأنواعها المختلفة، يجب ألا تزيد مساهمتها في حجم ما تناوله من سعرات حرارية في اليوم الواحد عن 5 بالمئة، وهو نصف الموصى به حالياً. وجدير بالذكر أن تقرير الجمعية الطبية البريطانية، يدعم طرحاً كان قد قدم سابقاً، ويدور حول استغلال عائد الضرائب الإضافية على المشروبات الغذائية، لدعم أسعار الأغذية الصحية، مثل الخضراوات والفواكه، مما سيخلق بيئة يتم فيها اختيار الأغذية الصحية بشكل تلقائي. ولكن أمام حقيقة أن زيادة الوزن والسمنة، هي مشكلة متعددة الجوانب، تنتج من عوامل متعددة، مثل قلة النشاط البدني وممارسة الرياضة، مع تناول كميات كبيرة من السعرات الحرارية، من سكر المشروبات الغازية وغيرها من الأطعمة مرتفعة المحتوى من السعرات الحرارية، لا يمكن الاعتماد على ضريبة المشروبات الغازية فقط كحل سحري، للقضاء على المشكلة برمتها.