يقول قادة يساريون من الحرس القديم في أميركا اللاتينية، بالإضافة لشخصيتين أميركيتين بارزتين من الفائزين بجائزة نوبل في الاقتصاد، إن اليونان الآن تشبه الأرجنتين عام 2001 في أنها تستطيع تأخير تسديد ديونها الأجنبية دون أن تواجه سيناريو مرعباً. وهذا رغم حقيقة أن اليونان ليست الأرجنتين. وهناك معسكران مختلفان تماماً داخل الفئات المؤيدة لقرار رئيس الوزراء اليوناني «ألكسيس تسيبراس» برفض مطالب كل من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بفرض إصلاحات جوهرية مقابل الحصول على قروض إنقاذ جديدة. يتألف المعسكر الأول من قادة اليسار في الحرس القديم لأميركا الجنوبية، مثل رؤساء فنزويلا والإكوادور وبوليفيا والأرجنتين وكوبا. وهم الذين نجحوا جميعاً أيما نجاح في تخريب اقتصادات بلادهم واستخدموا الشعارات المضادة للرأسمالية لإقناع الناس بأساليبهم السلطوية في الحكم. ولم يكن بوسع المرء أخذ احتفالاتهم بقول اليونانيين «لا» للإجراءات التقشفية على محمل الجد. ويتضمن المعسكر الثاني الاقتصاديين الفائزين بجائزة نوبل «جوزيف ستيجليتز» و«بول كروجمان» وبعض الاقتصاديين الآخرين المهمين الذين سجلوا مواقف بارزة في الدفاع عن التمرد المالي اليوناني. فقد قالوا مثلاً، إن القادة الأوروبيين يتقاسمون اللوم على نشوء الأزمة اليونانية الراهنة لأنهم طالبوا اليونان بتطبيق برامج تقشفية غير واقعية خلال السنوات الأخيرة. ويمكن للمرء أن يقرأ في صحيفة «هافينجتون بوست» عنواناً لعمود بقلم «ستيجليتز» و«مارتن جوزمان» هو: «الأرجنتين تنبه اليونان إلى أن الحياة ممكنة بعد العجز عن تسديد الديون». وجاء فيه أن عجز اليونانيين عن السداد أمر صعب، لكن التقشف ربما يكون أصعب منه. وتكمن الأخبار الطيبة بالنسبة لليونان في أن الأرجنتين سبق لها أن أثبت أنه من الممكن للحياة أن تستقيم مع الديون والتأخر في تسديدها». وقال «ستيجليتز» و«جوزمان»، إن الأرجنتين واجهت في أواخر التسعينيات موقفاً مشابهاً للحالة اليونانية، وطبقت على نفسها كل عناصر التقشف التي اقترحها صندوق النقد الدولي، التي أدت إلى تخريب الاقتصاد بدلاً من دفعه إلى النمو. بل كان برنامج التقشف بحد ذاته أكثر صعوبة على الأرجنتين من أن تسدد ديونها كلها. وفي كلتا الحالتين، ينبغي على هاتين الدولتين أن تعمدا إلى فرض التجميد الجزئي على الإيداعات البنكية، وتبادر بعد ذلك لإعلان عجزها عن تسديد ديونها الخارجية. وكان قرار الأرجنتين عام 2001 يشبه إلى حد كبير نطق اليونان بكلمة «لا» للتقشف في عام 2015، وهذا ما أصاب الأسواق العالمية بالصدمة. لكن الأرجنتين استطاعت التعافي ونما اقتصادها بسرعة قياسية أواخر العقد الأول من القرن الـ21. أما اليونان، فمن الممكن ألا تختلف حالها عن الأرجنتين. وهذا ما يقوله نقّاد خطة التقشف. يقول ستيجليتز وجوزمان: «إلى درجة ما، يمكن القول، إن اليونان تواجه موقفاً ينطوي على تعقيد أكثر من الذي واجهته الأرجنتين عام 2001»، وذلك لأن الأرجنتين تعافت بسبب عملية إعادة تقييم ضخمة لعملتها، ما جعل الصادرات الأرجنتينية أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية. أما اليونان فلا تمتلك عملة خاصة بها بعد أن تبنّت عملة اليورو قبل نحو عقد من الزمان. وهذا يعني أنه يتحتم عليها الآن تبني عملة وطنية جديدة وهي في وسط الأزمة ولن تحتاج بعد ذلك إلا إلى القليل من الدعم الدولي. وتتفق آراء معظم الاقتصاديين العالميين على وجود أوجه مهمة للاختلاف بين التجربتين الأرجنتينية واليونانية، أولها أن الأرجنتين استفادت من الارتفاع الهائل في الأسعار العالمية للمواد الأولية بعد عجزها عن تسديد ديونها. وهذا ما سمح لها بتحقيق أضخم طفرة تصدير في تاريخها الحديث. ويعود معظم الفضل فيما حدث للارتفاع الكبير في أسعار صادراتها من فول الصويا إلى الصين. وبلغ معدل النمو في الأرجنتين آنذاك 9? سنوياً رغم العزلة المالية التي كانت تعاني منها في العقد الأول من القرن الـ21 قبل أن يتراجع مرة أخرى عام 2013 بسبب ضعف الأداء الحكومي. وانتشرت في أوساط الشعب الأرجنتيني أغنية ساخرة خلال فترة الطفرة الاقتصادية عنوانها «فول الصويا والحظ». كما أن الأرجنتين استفادت من المساعدة المالية من فنزويلا الغنية بالنفط. يضاف إلى ذلك أن الاقتصاد الأرجنتيني أكثر تنوعاً من نظيره اليوناني الذي يعتمد على السياحة بدرجة أساسية. ---------------------------- *محلل سياسي أرجنتيني مقيم في الولايات المتحدة ---------------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»