بعدما تراجع عدد من الشبان عن انجرافهم وراء الفكر الضال والعقائد المغلوطة التي جذبهم بها «داعش»، تتضح هشاشة هذا التنظيم الإرهابي، ويفتضح جهله وضحالته وضآلته، فعلياً في ساحات القتال والنزال وفي معركة كسب العقول والقلوب. إلا أنه لا بد لنا أيضاً أن نضع أيدينا على مكامن الخلل، التي تسببت في تسيّب وضياع بعض الشبان القاصرين المغرر بهم في ميادين المعارك الزائفة والوعود الكاذبة. وفي مواجهة الفكر المضلل، لا بد من نشر الفكر المعتدل، والمعركة اليوم بالتحديد ليست حرباً تقليدية، وإنما هي كشف ونسف للأفكار الهدامة المضللة، وكما يقول الشاعر «وداوني بالتي كانت هي الداء»، أي أن علاج ذلك الفكر المتطرف المنحرف يجب أن يكون في ساحة معركة كسب القلوب والعقول نفسها، وبوسائل الفكر والإعلام نفسها، بتعرية زيفه وحيْفه أمام الناس، وبفكر معتدل وسطي يبرز الوجه الإسلامي الصحيح والمستنير. لقد أوضحت بعض الدراسات أن عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في العالم خلال عام 2014 بلغ مليارين تقريباً، أي أن ثلث سكان العالم هم من مستخدمي هذه المواقع، والمشكلة أن الاستراتيجية التي عمل عليها المجرمون في جذب الشباب والتغرير بهم للانجراف وراء الانحراف، واستقطابهم من مختلف دول العالم، كان لوسائل التواصل ومجتمع المعلومات دور مباشر فيها، وفي جعل أولئك القاصرين يتوهمون ويعتقدون بأفكار تجعلهم يرفضون واقعهم، ويقبلون على تنفيذ الأجندات الإرهابية دون تردد، وبانقياد أعمى غريب. وكذلك تطرقت تلك الدراسات أيضاً إلى معدل استخدام الفرد يومياً لوسائل الإعلام الرقمي وأدوات التواصل، فأظهرت في حالة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثلاً أن الفرد يستهلك ثماني ساعات في متابعة الأخبار ومشاهدة الأفلام والصور من خلال الهواتف الذكية. وتتوقع أن تزيد هذه النسبة في عام 2017 نظراً للتطور السريع في المجال الرقمي والإقبال المتنامي عليها من قبل جميع الفئات والشرائح الاجتماعية. ويبدو من خلال الممارسات أن لدى تنظيم «داعش» الإرهابي خبرات في أمن المعلومات يستخدمها عناصره في أرض المعركة أيضاً من خلال الرسائل التي تبث بين الحين والآخر، وتركيزهم على الإيهام الكاذب بـ«ضخامتهم» وسرعة انتشارهم، بينما هم في الواقع شراذم هائمة وأقل مما يدعون بكثير. وفي مقابل محاولات بث سموم الإرهاب ينبغي علينا استحداث خطاب إيجابي بديل يظهر للناس الصورة الصحيحة والوسطية والمعتدلة لديننا الحنيف وثقافتنا السمحاء، وفضح الصور النمطية كافة والخطاب الزائف المنحرف الذي أوهم به «داعش» بعض الشباب الأغرار بواقع مختلف تماماً عما يدور في داخل تنظيمه البائس اليائس. ومن شأن المبادرة الإماراتية الأميركية المتمثلة في مركز «صواب» أن تقدم حلاً إيجابياً واستجابة فورية واستكمالاً لجهود التحالف الدولي في القضاء على ذلك الفكر، وسيُظهر تكاتف جهودنا لتنظيم «داعش» وغيره من المنظمات المتطرفة أن المسلمين المعتدلين في كل مكان يرفضون مثل ذلك الفكر البغيض وتلك الممارسات الوحشية، وأنهم مع الآخرين من الشركاء في الإنسانية في قيم التعاون والتعارف والتعايش السلمي. لقد بات من الضروري اليوم إيصال أصوات الملايين من المسلمين وغير المسلمين في جميع أنحاء العالم ممن يرفضون الممارسات الإرهابية ويقفون ضد الأفكار الكاذبة والمضللة التي يروجها أفراد «داعش» وغيره من جماعات ومنظمات إرهابية، وتسخير وسائل الاتصال والإعلام الاجتماعي على شبكة الإنترنت لتحقيق هذا الهدف، وتصويب الأفكار الخاطئة ووضعها في المنظور الصحيح، وإتاحة مجال أوسع أيضاً لإسماع الأصوات المعتدلة التي غالباً ما تضيع وسط ضجيج الأفكار المغلوطة، التي يروجها أصحاب الفكر المتطرف. ولذا فلا بد أن تتحد الآن الجهود من أجل دحض أيديولوجية «داعش» التي تقوم في جوهرها على الكراهية والتعصب، وفي المقابل العمل على إبراز ونشر القيم الحقيقية لدين الإسلام التي تقوم على الاعتدال وتدعو إلى التسامح والانفتاح والسلام. إن هذه المبادرات تدل على التزام دولة الإمارات الراسخ تجاه تطبيق ونشر قيم الاعتدال والتسامح المتجذرة أصلًا في تاريخها، وفي ثقافتها التي كانت وستبقى دائماً رافضة للتشدد والتطرف بشتى أشكاله وممارساته. صحفي إماراتي