نشرت صحيفة «الوطن» القاهرية يوم الخميس الماضي مقالاً بالغ الأهمية للكاتبة نادين سعد بعنوان «الصفقة المحرمة: إسرائيل وجماعات الإرهاب» حول تلقي قيادات وأعضاء «جبهة النصرة» الإرهابية العلاج في إسرائيل اعتمدت فيه على تقرير بثته الشهر الماضي القناة الثانية الإسرائيلية بعنوان «يعبرون الحدود» وذلك في أعقاب قيام مواطنين دروز يسكنون إحدى قرى الجليل الأعلى برشق سيارة عسكرية إسرائيلية بالحجارة كانت تقل بعض الإرهابيين من جرحى الحرب في سوريا لتلقي العلاج في المستشفيات الإسرائيلية. والتقرير عبارة عن شهادات بعض هؤلاء الجرحى الذين تعالجهم إسرائيل، وتنقل الكاتبة قول أحد الجرحى وقد أخفيت ملامحه: «قالوا لي إسرائيل عدوة سوريا جيت هون لقيت أحسن معاملة»! ويتكلم آخر بالعبرية عدة جمل فيبدي معد التقرير إعجابه قائلاً: «سوري بيحكي عبري... منيح»، ثم يطرح هذا المعد على أحد الجرحى سؤالاً هو من تقتل: الشيعي أم اليهودي؟ فيرد: الشيعي. الدرزي أم اليهودي؟ فيرد: الدرزي، وهنا يختم معد التقرير برنامجه قائلاً: «يبدو أن إسرائيل عرفت كيف تحول عدو الأمس إلى صديق»! ماالسر يا ترى في هذا الحنان الدافق الذي تبديه إسرائيل تجاه الإرهابيين الذين يحيلون حياتنا جحيماً؟ إن إسرائيل ببساطة شديدة ترد الجميل للإرهاب. منذ سنوات وصف حاكم عربي سابق بأنه «كنز استراتيجي» لإسرائيل، ولم نكن ندري في حينه أن كنزه هذا يتوارى خجلاً أمام الكنز الذي يمثله الإرهاب لها. ألم يقلب حياتنا ويغير أولوياتنا قسراً بمهاجمته بنيتنا الاجتماعية ومؤسساتنا السياسية في الصميم من أجل تدميرها وتأسيس بدائله المشوهة على أنقاضها؟ ولذلك فإننا اضطررنا للدفاع عن وجودنا ولم يعد لدينا وقت نخصصه للحديث عن استعادة حقوق شعب فلسطين أو وقف العربدة الإسرائيلية في أراضينا أو غير ذلك، وهذه هي الهدية الاستراتيجية الأولى التي قدمها الإرهاب لإسرائيل. تتفنن فصائله في اختيار المسميات التي تتمسح بالقضية الفلسطينية كـ«بيت المقدس» ورفع شعارات «الموت لإسرائيل» ولكن حين يأتي أوان إطلاق الرصاص فهو يتجه إلى صدورنا وليس إلى إسرائيل! هكذا ثابرت القصة السخيفة منذ عقود، التي تقول لنا إن تحرير القدس لابد وأن يمر على أشلائنا جميعاً. والهدية الاستراتيجية الثانية التي يقدمها الإرهاب لإسرائيل بعد قلب نظام أولوياتنا الذي كانت القضية الفلسطينية تتربع على قمته رأساً على عقب هي أنه يعزز منطلقاتها الاستراتيجية إذ يشترك معها في رؤية مستقبلية تمزيقية للمنطقة تتسق والمبدأ الاستراتيجي الإسرائيلي الراسخ: دولة أقلية دينية محيطها موزاييك من دول الأقليات العرقية والطوائف والمذاهب الدينية، وليس محيطاً قومياً يكشف طبيعتها العنصرية وزيفها السياسي. ويدعي الإرهابيون أنهم في سبيلهم إلى إقامة «دولة الخلافة الإسلامية»! وسواء كانوا يعلمون أو لا يعلمون فإن دولتهم هذه لن تقوم لأنها مجرد مفارقة تاريخية! وحتى لو سجلوا اختراقاً مؤقتاً هنا أو هناك كما هو الحال الآن بالنسبة لـ«داعش» في العراق وسوريا فإن «الدولة» المنشودة! لن تكون دولة جامعة لأنها ستصطدم كما رأينا بكل الطوائف والمذاهب والعرقيات التي لا ترضى عنها كما تشير الحالة «الداعشية»! وحتى لو سيطرت «دولة» الإرهاب على هذه الجماعات بالقوة فسيكون هذا بداية لصراعات لا تنتهي، بل إن الصراعات ستنشب -إن لم تكن قد نشبت بالفعل- بين «داعش» وأخواتها، وهذه هي الجنة الموعودة التي يعدها الإرهاب لإسرائيل ومن وراءها من القوى الدولية! أفلا تكون دولة شكورة وتقدم لَفتاتها إلى من يساعدونها على خلق هذا المحيط الاستراتيجي، وهي لَفتات تدعو إلى التساؤل عن حدود العلاقة بين إسرائيل وتنظيمات الإرهاب! يستحق منا هذا التساؤل الاهتمام الواجب إذ تدعو هذه الأسس الحقيقية لمصالح استراتيجية متبادلة بين إسرائيل والإرهاب إلى التفكير فيما يمكن أن يكون وراء مجاملات العلاج، ومن البديهي أن تكون كافة الدوائر الاستراتيجية المعنية بأمن إسرائيل ومستقبلها منهمكة الآن في الإجابة على أسئلة المستقبل، فهل نبادلهم ولو مرة اهتماماً باهتمام؟ ---------------- مدير معهد البحوث والدراسات العربية - القاهرة