القوة التي تفتقد إلى عقل مفكر يقودها، تتحول إلى ثور أعمى وأهوج ومجنون. لنتخيل الحركة الهوجاء لهذا الثور وأثرها في محيطه! ثور يتفجر طاقة، يراكمها بلا انقطاع ولا يعرف كيف يحولها إلى قوة بناء. لهذا، نراه يركض دون توقف، يترنح يميناً ويساراً، يدوس على كل ما يأتي في طريقه غير عابئ بشيء. أحد جوانب العبقرية الغبية في ممارسته اليومية تكمن في تكثير الأعداء ومضاعفة أعدادهم وكأن هذا ما يعتاش عليه. الثور الأهوج يورط كل السذج الذين يظنون أن بإمكانهم الاستفادة من طاقته الرعناء وتوظيفها ولو عن بعد. انعطافاته الحادة وجنونه المركب ومفاجآته غير العقلانية، تهزأ بأي طرف يتورط في الرهان عليه. «داعش» اليوم يمثل أحدث طبعة من فصيلة الثيران العمياء التي إن حلت في منطقة ما جلبت عليها الدمار والدماء. أول من تدوسه هذه الثيران هم من تزعم أنها تدافع عنهم. البلاء الذي يجلبه «داعش» للسنّة ليس مسبوقاً. ينطلق عناصرها مُقادين بالغباء فيحتلون هذه المحافظة السنية أو تلك في العراق مثلا، فيستفزون الحكومة (التي يعادونها لأنها طائفية ويتهمونها بالعداء للسنة) فيدفعونها للتحرك بسرعة كي تثبت أنها ذات السيادة على كل المحافظات، فتسيطر هي وميليشياتها الطائفية على المناطق المحررة من «داعش». وبسبب العماء المطبق فإن ثور «داعش» يعتبر كل المحيطين به أعداء له، وهو لا يملك وسيلة للتعامل معهم سوى البطش والقتل. قوائم الثيران التي اندرجت في ثلاثية العماء والرعونة والجنون طويلة ودائمة التجدد. القرن العشرون لوحده يحفل بقائمة مذهلة تضم عشرات غير هتلر وستالين وبول بوت وعيدي أمين وهيلا سيلاسي وموبوتو سيسيكو. عربياً يحتل صدام حسين الموقع الأول بين من امتلكوا القوة واتصفوا بالعماء المهلك. نظرية الثور الهائج هي التي تفسر حال «داعش» اليوم، كما فسرت حال القوة المنفلتة من أي عقل أو تفكير في تجارب أخرى ضمن تاريخ البشرية. تنظيمات الثور الهائج، الداعشية والقاعدية، تيهج اليوم بتفاهة بالغة وتنشر القتل باسم الدين. في هذه الأيام الدامية لوحدها قتل الثور الداعشي الهائج أبرياء ومدنيين في مساجد في السعودية والكويت، وقتل أبرياء في العراق وليبيا وتونس ونيجيريا، وهدد بتحرير غزة من «حماس» (لا إسرائيل)، وهدد مسيحيي القدس كي يغادروها (ولم يهدد إسرائيل التي تحتلها!). وهنا يحاول بعضنا فهْم هيجان الثور وربطه بالأسباب والدوافع التي نعرفها جميعاً، وضمنها تأسيس إسرائيل واستمرار احتلالها للأرض، ومواصلة الغرب انحيازه للمصالح على حساب العدالة والقيم. هذه التدخلات الغربية سمة من سمات علاقة الخارج بالمنطقة طيلة القرنين الماضيين تقريباً، ومع أنها أنتجت كل أنواع ردود الفعل، إلا أنه كان ثمة إدراك عميق بأنه لا يصح استخدام وحشية الطرف الآخر كمسوغ لإطلاق وحشية مشابهة، فضلا عن أن تكون أبشع، وأن تتوجه وحشية رد الفعل إلى مدنيين أبرياء. الثور الجديد كان تيارات التطرف الإسلامي التي تلقفت «الراية» كتلميذ فاشل لا يقرأ التاريخ ولا يفقه السياسة، وهي تيارات بقيت تنتج ثوراً في كل مرحلة حتى أوصلتنا إلى «داعش». واحدة من مشكلات الثور الهائج والأعمى تكمن في إرادوية صنع التاريخ على هواه، والبداية من حيث بدأ من سبقوه وفشلوا، ضارباً بعرض الحائط كل التجارب السابقة وخلاصتها، وكأن التاريخ والعالم والحياة بدأت معه فقط.