قد لا تستطيع حتى المعجزة السياسية، مهما كان تعريفها ومصدرها، أن تحل الأزمة الكبرى في سوريا وتنقذ شعبها المعذب وسط كل هذه المصائد والمصائب. قوة الإنقاذ الرئيسية، أي المعارضة السورية منقسمة وسط خلافات لا آخر لها، وقد أشارت دراسة لصافيناز محمد الباحثة بمركز «الأهرام» أنها اليوم سبع كتل، والأسوأ أن تكتلات الائتلاف السياسية «أصبحت تبنى على حسابات شخصية، كما يلعب المال السياسي، عبر الأموال التي تقدمها الدول الداعمة للمعارضة، دوراً كبيراً في اصطفاف تلك الكتل، وفي تغيير توجهاتها من وقت لآخر» (السياسة الدولية، أبريل 2015). ما الذي يوحد سوريا في هذه المأساة المستمرة، بين حكومة تقصف وتفجر بلا رحمة وقوى إرهابية تقتل وتحز الرقاب وتشنق وتجلد وتعلق من تشاء على أعمدة النور والجدران؟ ما يوحد جميع الأراضي، سوريا المحررة أو تلك المتنازع عليها بين الكر والفر، تقول الحياة: «هو حجم الدمار الهائل من البراميل المتفجرة والمقاتلات الحربية ومدافع جهنم وخطوط القتال، إذ ارتفعت كلفة الدمار إلى أكثر من 240 بليون دولار أميركي. وكشف تحالف منظمات إنسانية قبل يومين أن 83 في المئة من أنوار سوريا أطفئت، بل إنها وصلت إلى 93 في المئة في بعض الحالات. وقال ديفيد ميليباند، رئيس مجلس إدارة لجنة الإنقاذ الدولية، إن الشعب السوري غارق في الظلام: عوز وخوف وحسرة على أصدقاء رحلوا، وبلد كانوا يوماً يعرفونه. أربع سنوات مرت على اندلاع الأزمة، وليس هناك الآن سوى ضوء خافت في هذا النفق المظلم»، لافتاً إلى أن «أكثر من مائتي ألف قتلوا و11 مليوناً أجبروا على الفرار من منازلهم». (15- 03- 2015). بين نهاية 2012 وانتهاء السنة الرابعة من الثورة السورية، يضيف إبراهيم حميدي، الكثير من الألم السوري والدم والصفقات بين اللاعبين على الأرض السورية، أهمها أربعة عوامل: تدخل حزب الله في نهاية 2012 لـ«منع سقوط دمشق»، وصفقة السلاح الكيماوي في نهاية 2013، وتراجع الرئيس الأميركي أوباما عن تهديداته العسكرية، وظهور «داعش»، وتدخل قوات التحالف الدولي- العربي ضد «داعش» وليس النظام، إضافة إلى تفسخ عدد من دول «الربيع العربي»، وعودة قوية للدولة العميقة في بعضها! وقبل ذلك، تحدث د. محمد رحال، المعارض السوري والمرشح السابق لرئاسة الحكومة المؤقتة لصحيفة «الوطن» الكويتية، 18-01-2015، أن «المعارضة الحالية لا تمثل الثورة السورية بأي حال من الأحوال، وقد حددت موقفي في الابتعاد عن تلك المعارضة التي صنعتها تركيا ودول عربية أخرى»! «د. رحال، طالب باعتبار» نظام بشار الأسد طرفاً من الأطراف»، وقال إن الثورة السورية فقدت استقلاليتها وشاخت، فـ«كل الثورات عندما تطول زمانياً وتتشعب مكانياً تصاب بما يمكن تسميته شيخوخة الثورة»، وأضاف: «حذرت في الأشهر الأولى من هذا المصير لثورتنا، فعندما لا تنتصر الثورة بسرعة، فهذا يؤدي إلى نشوء عصابات وظهور انتهازيين منظمين وأمراء حرب». وأشار إلى الثورات الإسبانية والفرنسية والسوفيتية والأفغانية، وللأسف الثورة السورية وصلت إلى هذه المرحلة وظهرت عليها كل هذه الأمراض. وقد يؤثر انخفاض أسعار البترول على حلفاء النظام، إيران وروسيا، ولكن لا ارتفاع الأسعار ولا انخفاضها يعني الكثير لعذاب الشعب السوري المتواصل في الداخل والخارج، وصراعه اليومي مع الجوع والخوف والتشرد والموت. لم تكن الحركة السورية في بدايتها ثورة، بل مجرد تحرك مسالم ببعض المطالب الديمقراطية، ولكن النظام بذل كل ما استطاع من جهد لتحويلها إلى ثورة مسلحة كي يسهل عليه سحقها. وشرارة الثورة بدأت في درعا، حيث اعتقل الأمن 15 تلميذاً إثر كتابتهم شعارات تنادي بالحرية في 26 فبراير 2011. الانطلاقة الحقيقية للثورة، يقول وليد قرضاب في القبس 15- 03-2015، كانت في 18 مارس، خلال تظاهرات جمعة الكرامة في درعا ودمشق وحمص وبانياس، حيث قابلها الأمن بوحشية، فسقط عشرات القتلى. وفي 25 أبريل أطلق الجيش عمليات عسكرية واسعة في درعا ودوما، أدت إلى مقتل العشرات وحصار وتجويع مئات الآلاف، وتمددت العمليات إلى بانياس وحمص والرستن، حيث ارتكب النظام أبشع المجازر. ما وقْعُ كل هذه السنوات الدامية على الشعب السوري.. وبخاصة الأطفال والنساء؟ هذا ما سنراه في مقال قادم. ----------- كاتب ومفكر - الكويت