لم يعد يخفى على أحد الدور الدعائي الخطير الذي تلجأ إليه المنظمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش»، هذا التنظيم الذي تربت عناصره القيادية في أحضان «القاعدة»، ثم انتقلت إلى طور إرهابي أشد عدائية وخطورة على العالم الإسلامي. وأدى احتياج هذا الكيان الطفيلي للمزيد من العناصر إلى محاولة استقطاب الموتورين وذوي الميول العنفية. ومن الأسلحة التي تستخدمها هذه المنظمة وأمثالها في المجال الدعائي استغلال وسائل التواصل الاجتماعي، التي شكلت ثورة اتصالية على شبكة الإنترنت، حيث صار كل من هب ودب يفتي في الدين ويجند ويكفر، مقابل غياب الصوت الآخر الرشيد والمستنير الذي يحث الفرد على أن يفكر ويتأمل بعقلانية تجعل منه إنساناً مفيداً للبشرية ولوطنه وأسرته، وتجنبه الوقوع في شرك الجماعات المتطرفة! وإزاء الحرب الدعائية الشرسة التي يشنها «داعش»، تزداد الحاجة لمكافحة ذيول الإرهاب وأفكاره المتفشية في الواقع الافتراضي وتجد طريقها إلى بعض محدودي الوعي، ليجدوا أنفسهم منقادين وراءها كالعميان. والغريب أن تلك الأفكار المتطرفة والمعادية للإنسان المعاصر ومكتسباته الحضارية تستخدم أحدث الوسائل العصرية لبث سمومها ومقولاتها الهدامة، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي. لكن مواجهة هذا الفكر الضال تتطور بدورها على مستوى الوسائل والتحركات الجادة المسنودة بوعي إقليمي ودولي قادر على محاصرة الإرهاب. ويوم الأربعاء الماضي شهدت الإمارات حدثاً مهماً في هذا السياق سيكون له تأثير إيجابي في مكافحة التطرف، بذات الأدوات التي يحاول المتطرفون استغلالها لنشر أفكارهم المشوهة، أي وسائل التواصل الاجتماعي. تلك الشبكات التي حولها البعض إلى سلاح لتلويث عقول الأفراد وشحنهم بالكراهية والانتقام وثقافة الانتحار باسم الدين. الحدث الذي نعنيه هو تدشين دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية لمركز «صواب»، الذي أطلقه في العاصمة أبوظبي معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية ومعه سعادة ريتشارد ستنجل وكيل وزارة الخارجية الأميركية للدبلوماسية العامة والشؤون العامة. ومما جاء في تعريف المركز الجديد أنه مبادرة تفاعلية للتراسل الإلكتروني تهدف لدعم جهود التحالف الدولي في حربه ضد «داعش»، وبتأسيس هذا المركز وتدشين عمله تكون الإمارات قد حققت ريادة تتسق مع جهودها الدائمة لنشر ثقافة التسامح ومحاربة التطرف. ونستطيع القول: إن هذه الخطوة الهامة تنقل جهود مكافحة الإرهاب إلى مرحلة أكثر فعالية تتصل بالجانب الوقائي، وذلك للحد من التطرف وقطع الطريق على الجماعات الإرهابية التي تستخدم شبكة الإنترنت لتجنيد الشباب وتلويث عقولهم. ونجد أن معظم الكتابات والدراسات التي تناولت ظاهرة التطرف كانت تنبه إلى أن المعالجات الأمنية والحرب المباشرة ضد الجماعات المتطرفة لا تكفي وحدها لتجفيف منابعه والتخلص من العوامل التي ترفد جماعات العنف بالأفراد، كما أثبتت الوقائع أن التطرف يغزو الجميع، بما في ذلك البلدان التي تتمتع بأوضاع اقتصادية مزدهرة، وكذلك الأفراد الذين ينتمون لأسر وعائلات ميسورة، بل إن التطرف وصل حتى إلى أوروبا، بدليل تواجد مقاتلين من مختلف الجنسيات الأوروبية في صفوف «داعش» الإرهابي. نتصور أن من مميزات الأداء الجديد المتوقع من مركز «صواب» أنه سيجعل الأفاعي الإرهابية المتخفية في مواقع التواصل الاجتماعي تظهر نفسها لتلقي بكل ما لديها من سموم عندما يبدأ المركز بتكثيف حملاته التوعوية لمتابعي شبكات التواصل الاجتماعي، وعندما تظهر أفاعي الإرهاب المتخفية سيتضح أن هشاشة الخطاب المتطرف وعدائيته لجميع البشر تجعله ضعيفاً أمام الخطاب المستنير الذي يكشف زيف المتطرفين وارتهانهم لمقولات تخريبية لا علاقة لها بالإسلام. ويأتي انطلاق مركز «صواب» من الإمارات لتحقيق هذا المسعى النبيل المتمثل في لجم أفواه التطرف التي تنعق في وسائل التواصل الاجتماعي وتستغل هذه المعطيات الحديثة للترويج لفكرها الظلامي، ومن المؤكد أن الخطاب التنويري للمركز سيسكت المتطرفين ويوجه مستخدمي الشبكة نحو الإسهام الجماعي الطوعي في محاصرة ألسنة «داعش» وإخراسها. -------------------- *كاتب إماراتي