في ظل المفاوضات الجارية بين إيران ومجموعة 5+1 في فيينا، تتهيأ العديد من الشركات ورجال الأعمال إلى استثمار الفرص الهائلة التي تزخر بها السوق الإيرانية بمجرد رفع العقوبات الاقتصادية وعودة إيران إلى النظام المالي العالمي. وبين ثنايا الانتظار تطالعنا زاوية أخرى لا تقل أهمية عن ذلك الانتظار بل إنها تتزامن معه ولعلها تتأثر بذلك الانفتاح سلباً وإيجاباً. تتمثل تلك الزاوية في الدور المنوط بالحرس الثوري وتحديداً في الجانب الاقتصادي الذي أصبح لهذا الأخير ما يمكن أن يطلق عليه بـ«مملكة اقتصادية». نسير مع القارئ في هذا المقال لنرى ما هي تداعيات ذلك الانفتاح على تلك المملكة ومستقبلها. بداية، ولتقريب الصورة لدى القارئ وكما نعلم جميعاً، اتجه التيار الديني الحاكم في إيران مع نجاح ثورة عام 1979م ورغبة منه في الحفاظ على هذه الثورة وصد أي ثورة معاكسة أو انقلابات في المستقبل، اتجه إلى تشكيل قوات الحرس الثوري بوصفها قوات ذات قيادة وتنظيم مستقل عن الجيش النظامي الذي كان يتخوف التيار الديني الحاكم من استمرار ولائه للشاه. جاء «الحرس الثوري» بشعار، وهو حماية الثورة ومكتسباتها، وقد ضم بين جنباته قوى كان لها دورها في الشارع الإيراني وتصفية المناهضين لهذه الثورة وسيطرة رجال الدين عليها. كما ساهم «الحرس الثوري» كذلك بشكل كبير في الحرب العراقية- الإيرانية. وبعد انتهاء تلك الحرب وفي فترة إعادة الإعمار، بدأت معالم مملكة «الحرس الثوري» تتشكل شيئاً فشيئاً. فجاء مقر «خاتم الأنبياء الهندسي» بوصفه الذراع الاقتصادية لهذه المملكة، فأصبحت المشاريع الاستراتيجية مثل البنى التحتية والقطاع النفطي والغاز في متناول إمكانيات «الحرس الثوري» في ظل تردد الشركات العالمية. ومع تزايد الضغوط الاقتصادية وفرض مزيد من العقوبات على إيران، أصبحت الساحة شبه خالية لهذه المملكة ذات الإمكانيات الكبيرة والتسهيلات الحكومية لها، لبسط نفوذها على أهم المجالات الاقتصادية. لم يكن الالتفاف على العقوبات ورواج التهريب لمواجهتها لأن يكون ببعيد عن هذه "المملكة"، والتي استطاعت أن تؤسس شركات واجهة تنشط في العديد من المجالات، كما أن سيطرة «الحرس الثوري» على العديد من المرافئ الذي وصل عددها ما بين 50 إلى 60 مرفأ، وهو ما ألمح له الرئيس السابق أحمدي نجاد، قد دفع إلى تنامي هذه المملكة وتذمر الشركات الخاصة، ويأسها من الخوض في غمار المنافسة معها. وبالرغم من أننا نقرأ بعض مفردات منتقدة من قبل الرئيس الإيراني حسن روحاني لهذه المملكة، إلا أنه يعترف بأهمية «الحرس الثوري» ودوره الاقتصادي. ويرى أحد التقارير أن حصة مملكة «الحرس الثوري» تتجاوز الـ 12 مليار دولار، أي سدس الناتج المحلي الإيراني المعلن. وينتشر نشاط هذه المملكة ليشمل بالإضافة إلى القطاعات سابقة الذكر قطاع السياحة والنقل والبناء والاتصالات والانترنت، وهي قطاعات استراتيجية مؤثرة. فهل بعد ما تقدم يمكن اعتبار أن «الحرس الثوري» سيتنازل عن هذه الحصة في حال رفع العقوبات والعودة إلى ثكناته العسكرية؟ الإجابة بالطبع لا بل إن ما قام به «الحرس الثوري» طوال السنوات السابقة يجعل من الصعب دخول أي من الشركات العالمية والمحلية دون الالتفاف إلى التعاون مع «الحرس الثوري». من هذا المنطلق يمكن القول إن هذه المملكة وعلى الرغم من أنه لا مناص من دخول شركات عالمية ومحلية إلى السوق الإيراني من جديد، وربما يفقد «الحرس الثوري» لبعض نشاطاته في بعض المجالات، فإن دخول تلك الشركات، وتحديداً العالمية إلى المشاريع الاستراتيجية، لن يتأتى سوى من خلال بوابة تلك "المملكة"، التي لا يتوقف نشاطها داخل الحدود الإيرانية بل يتخطاها. د.سلطان محمد النعيمي أكاديمي إماراتي