خصص رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون دقيقتين من خطاب انتصاره في انتخابات 8 مايو الماضي للحديث عن ضرورة إعادة تحقيق التوازن في الاقتصاد البريطاني عن طريق «بناء القوة الشمالية». ويوم الثلاثاء الماضي، أضاف «جورج أوسبورن» وهو سياسي من حزب «المحافظين» بعض التفاصيل لهذا الاقتراح عندما كشف النقاب عن مشروع الميزانية الجديدة. ولم يعد هناك ثمة من دواعٍ للشك بأن حكومة كاميرون ستجعل من أولوياتها خلال السنوات الخمس المقبلة، منح الأقاليم والمدن، مثل «سكوتلاندا» و«مانشستر» حق التحكم بإنفاقاتها ومداخيلها. وهذا «التفويض» المقترح، والذي سيقترن بحق انتخاب حُكام لتلك المدن واختيار المسؤولين عن إدارة سياساتها الخاصة بها، ستكون له أهميته على المستويين السياسي والاقتصادي. وأصبحت الحاجة لإعادة التوازن للاقتصاد بعيداً عن لندن، واضحة كل الوضوح، وذلك لأن العاصمة البريطانية تستأثر بنحو 19 بالمئة من مجمل مناصب العمل في بريطانيا، وبنحو 21 بالمئة من مقرات الإدارات العامة للشركات، وبنحو 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لتقرير صادر عن «اللجنة البرلمانية للمجتمعات والحكومات المحلية». ويستأثر «اللندنيون» بناتج فردي إجمالي صافٍ (محرر من الأعباء الضريبية) يبلغ في المتوسط 22516 جنيهاً إسترلينياً سنوياً (35 ألف دولار)، وهو أعلى بنحو 56 بالمئة من المتوسط على المستوى الوطني والبالغ 14347 جنيه إسترليني، وفقاً لأرقام صادرة عن «مكتب الإحصاء الوطني». وفي مدينة «ويستمينيستير» (إحدى ضواحي لندن)، يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من 43500 جنيه إسترليني، وفي مدينة «لايشيستير» التي تقع شرق وسط إنجلترا، ينخفض الرقم إلى ما دون 12 ألف جنيه إسترليني. وتستأثر مدينة لندن بمعظم المحافظ الاستثمارية، وتبلغ نسبة استثمارات الحكومات المحلية للأقاليم 53 بالمئة من مجمل الاستثمارات الوطنية في المملكة المتحدة بالمقارنة مع النسبة العالمية البالغة 72 بالمئة، وفقاً لإحصائيات صادرة عن «منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي»، وتبلغ نسبة المداخيل الضريبية المحلية التي تتولى الحكومات الإقليمية جبايتها 2.5 بالمئة فقط من مجمل العوائد الضريبية لبريطانيا، وفي السويد وكندا، ترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 15 بالمئة، فيما تبلغ في ألمانيا 11 بالمئة. ولا بدّ للعوائد الإجمالية التي تجنيها الحكومة من هذه الضرائب أن تمرّ عبر الحكومة المركزية في «ويستمينيستير» قبل أن يتم توزيعها على الأقاليم. وينطوي النظام المعمول به لإعادة التوزيع على الكثير من التعقيد، وذلك لأنه يفرض على أكثر من 50 مؤسسة تحويل المال العام إلى المجمع الحكومي الأكبر في «مانشيستير» قبل إعادة توزيعه من جديد على الأقاليم، ويتم إمرار الأموال النقدية عبر أكثر من 1000 من خطوط التمويل المختلفة، ويعني كل ذلك أن هذا النظام البيروقراطي أصبح بحاجة ماسة للتطوير والتبسيط. كما أن هذا النظام يمثل عائقاً أمام النمو الاقتصادي لتلك الأقاليم، وعلى سبيل المثال، يبلغ إنفاق الحكومة في «مانشيستير» نحو 22.5 مليار جنيه إسترليني سنوياً، ولكنها لا تُحصّل إلا أقل بقليل 18 مليار جنيه من العوائد الضريبية. وتقول مصادر حكومية، إن سدّ هذا العجز لا يمكن أن يتم إلا عن طريق تحسين الرعاية الصحية للمجتمع وإطلاق برامج التدريب المهني للعاطلين، وبما يكفي لتغطية الحاجة المحلية للأيدي العاملة. ويُعدّ تنشيط النمو على المستوى الوطني أفضل حافز لفكرة نقل السلطات إلى الأقاليم. وعلى الحكومة أن تسعى إلى تنفيذ خطط لإنشاء شبكات سكك حديدية جديدة للقطارات السريعة، بحيث تهدف إحداها إلى تطوير وسائل المواصلات التي تربط العاصمة بالأقاليم، وأخرى لربط «ليفربول» بـ«مانشيستير» و«ليدز» و«هول». وينبغي أيضاً بذل الجهود الكافية لنقل وتوزيع الوزارات الحكومية بعيداً عن العاصمة، ولكن بشرط ألا يؤدي ذلك إلى التسبب بالمزيد من البيروقراطية الإدارية. ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ مارك جيلبيرت محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»