ترى الولايات المتحدة أن روسيا قوة يدب فيها الضعف ويديرها ديكتاتور مفرط التفاؤل مقدر عليه العزلة واضمحلال النفوذ الدولي. لكن ليس هذا ما تراه السعودية الحليف الأميركي المهم. وهذا ما قد يدل عليه توقيع «صندوق الاستثمارات العامة» السعودي صفقة قيمتها عشرة مليارات دولار في الآونة الأخيرة مع صندوق الاستثمارات الروسية المباشرة. وكجزء من الصفقة وافق السعوديون على استثمار عشرة مليارات دولار في مشروعات روسية في الزراعة والرعاية الصحية والبيع بالتجزئة والنقل والعقارات. وتأتي الصفقة بعد زيارة لمنتدى بطرسبورج الاقتصادي الدولي قام بها الأمير محمد بن سلمان نجل العاهل السعودي ووزير الدفاع وولي ولي العهد. ودعا الأمير الرئيس بوتين لزيارة المملكة العربية السعودية ونقل إلى الملك سلمان دعوة من بوتين لزيارة روسيا. ونادراً ما تلتقي طرق روسيا والسعودية. فالسعودية المنافس الرئيسي لروسيا في صناعة النفط. وروسيا تكافح الآن لانتزاع حصة في السوق الصينية. وفي حروب الشرق الأوسط يتحالف البلدان على جانبين مختلفين في الصراع. فقد عكفت السعودية على بذل كل جهد لتدمير بشار الأسد، حليف لبوتين. والسعوديون أعداء لإيران التي اتفقت معها روسيا منذ فترة قصيرة على إحياء صفقة لإمداد طهران بصواريخ إس-300. والسعودية هي ثاني أكبر مشتر للأسلحة في العالم معظمها من الولايات المتحدة لكنها لم تشتر قط من روسيا ثاني أكبر بائع للأسلحة في العالم. ومن بين أهداف السعودية من وراء تحسين العلاقات بروسيا أنها تريد أن يبني لها الروس 16 محطة للطاقة النووية ووقع الأمير اتفاقاً مبدئياً في سان بطرسبورج. ويرى عبد الرحمن الراشد المدير العام السابق لقناة «العربية» في صحيفة «الشرق الأوسط» يقول: «أهم ملامح الزيارة الرسمية لولي ولي العهد السعودي، أنها تخرج على الخط التقليدي، فهي تتم في وقت شرعت فيه الولايات المتحدة، وحلفاؤها الأوروبيون، بمقاطعة روسيا اقتصاديًا عقوبة لَها على أحداث أوكرانيا. الحكومة السعودية هذه المرة، وعلى غير العادة، قررت العكس، تنشيط علاقاتها مع موسكو، وتوسيع تجارتها معها، وتوقيع اتفاقيات وصفقات في مجالات حيوية مثل الغاز والتقنية العسكرية والنووية. وهذه من المرات النادرة التي تسير الرياض في الخط المعاكس لواشنطن. والسبب واضح، أن السعوديين الذين ساندوا الموقف الغربي بمقاطعة إيران لعشرين سنة، ومواجهتها إقليميًا، اكتشفوا في لحظة أن واشنطن طعنتهم في الظهر، عندما قررت التفاهم مع نظام طهران دون أدنى تفاهم مع شركائها الآخرين في المقاطعة». وهذا الإحساس قاد السعوديين للسعي إلى تحقيق بعض التوازن عن طريق شريك ثان مع الاهتمام باستيعاب إيران وربما منع ائتلاف روسي إيراني. وزار وزير الدفاع الإيراني موسكو في أبريل الماضي وتناولت محادثاته مع نظيره الروسي سيرجي شويجو فيما يبدو تعاونا عسكريا أوسع نطاقا من مجرد صواريخ إس-300. والسعي إلى روسيا لم يكن بمثل هذه الكثافة من قبل في المنطقة منذ حقبة الحروب بالوكالة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. والآن تسعى إيران والسعودية إلى مركز آخر للجاذبية مقابل الولايات المتحدة. أما بوتين، فهو مستعد للعمل مع أي أحد ليُظهر للولايات المتحدة أن العالم لم يعد أحادي القطب وأن روسيا قوة يعتد بها. وتحالفات بوتين ظرفية تماما وهذه ميزة يتمتع بها نظامه عن الاتحاد السوفييتي الذي كانت تحركاته تقيدها الايدولوجية. ليونيد بيرشيدسكي كاتب روسي مقيم في برلين. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»