«منذ مستهل رئاسته تقريباً، بدا أولاند مثل شخص يكافح عاصفة هوجاء مستمرة، حيث تصدّه دائماً ريح أفقية وأمطار لا تنتهي». هكذا كتب جون جافني الفصل الأخير من كتابه الجديد عن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند في صورة مجازية بليغة ومعبّرة اختيرت بعناية كنايةً على المصاعب والمشاكل –وربما سوء الطالع أيضاً- التي تواجه الرئيس الفرنسي الحالي وتعترض طريقه منذ تنصيبه، مصاعب بعضها موضوعي لا يد للرئيس فيه، لكن أكثرها ذاتي مرتبط بشخصية الرئيس نفسه. زعيم الحزب الاشتراكي الفرنسي انتُخب في مايو 2012 رئيساً لفرنسا لولاية من خمس سنوات، لكن متاعبه بدأت منذ حفل تنصيبه الذي جرى في الهواء الطلق، حيث ابتلت ملابسه تحت الأمطار المتهاطلة ولم يسرع أحد لإعطائه معطفاً أو مظلة. وبعد عامين ونصف العام تقريباً، ابتلت ملابسه مجدداً جراء الأمطار التي تساقطت في جزيرة سان بشمال غرب فرنسا حيث كان يحيي ذكرى تحرير فرنسا من الاحتلال النازي. الأخطاء التي ميّزت النصف الأول من رئاسة أولاند حوّلته إلى الرئيس الأكثر «تواضعاً» منذ بداية الجمهورية الخامسة في عهد شارل دي جول. فقد وصل إلى قصر الإليزيه بعد وعود في الحملة الانتخابية بأن يكون «عادياً» –أي نقيض سلفه ساركوزي- لكنه أساء فهم طريقة عمل السلطة الرئاسية في فرنسا المعاصرة، كما يقول جافني. ولعل الخطأ الأكبر الذي وقع فيه هو أنه وفريقه لم يوليا ما يكفي من التفكير لمسألة ما إن كان هدف «أن تكون رئيساً عادياً» أمراً قابلا للتحقق في بلد مثل فرنسا، بلد ذي نظام سياسي وثقافة يعليان من شأن منصب الرئاسة وينظران للرئيس باعتباره شخصية مهيبة تستوجب التوقير والاحترام وتجمعه بالشعب علاقة فريدة تكاد تكون أسطورية. فكل الأنظار تكون مركزة على أداء الرئيس، وإذا كان غير مقنع أو دون المستوى المتوقع منه، يُصدر الناس حكماً قاسياً وبدون رحمة. وهكذا، وبحلول أواخر 2014 -يقول المؤلف- أصبح أولاند موضوع سخرية واستياء. وحسب جافني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة آستون البريطانية، فقد ارتكب أولاند أربعة أخطاء رئيسية: فهو لم يوضح للناخبين إلى أي مدى ستكون معاناتهم الاجتماعية والاقتصادية صعبة، ولم يشرح لهم إلى أي مدى ينبغي تقليص إنفاق فرنسا العام، ووعدهم بفجر أخلاقي جديد لم يحققه، وترأس «مسرحية هزلية من حيث الأداء السياسي». الخطأ الرابع أضر بهالة الاحترام والتوقير التي تحيط بمنصب الرئيس في فرنسا عبر جعل الفرنسيين يسخرون منه ويتندرون عليه بدلا من الاكتفاء بانتقاده بسبب فشل سياساته، وهو مرتبط إلى حد ما بفاليري تريرفيلر، شريكة حياته السابقة التي قلبت له ظهر المجن بعد انفصالهما وأخرجت كتاباً في سبتمبر 2014 تنشر فيه أسراراً غير مشرفة، بغية اغتيال الشخصية التي عرف بها بين الفرنسيين العاديين، حيث تزعم أنه ليس شخصاً هادئاً ومتواضعاً ولطيف المعشر، وهي الصورة التي (كان) يُعرف بها، بل صاحب نزعة للتملك والهيمنة، ويحتقر الفقراء. وبدلا من أن يسعى جاهداً لإعادة بعض الهيبة والوقار إلى منصب الرئاسة، لم يعمل أولاند إلا على تسريع اتجاه يتم فيه تقريب «المقدس» في النظام السياسي للجمهورية الخامسة من «المدنس». وفي الأثناء، ينفد الوقت بسرعة أمام أولاند لإصلاح ما يمكن إصلاحه لإخراج فرنسا من مشكلتها الاقتصادية. محمد وقيف الكتاب: فرنسا في رئاسة أولاند.. الجمهورية التعيسة المؤلف: جون جافني الناشر: بالجريف تاريخ النشر: 2015