ما المشترك بين ما حدث في اليونان وأيرلندا وأميركا؟ كل منها وصف في حينه بأنه «حقبة مالية جديدة» انتجت توسعاً هائلاً في قطاعها المالي. وهذا أدى إلى مزيج مسمم من الإسراف في الإقراض والرفع المالي (نسبة المديونية إلى رأس المال) والتهور. وفي كل حالة انتهت الحقبة بأزمة مالية، وربما الأهم أن كل أزمة انتهت بإنقاذ من المقرضين وحملة السندات وأصحاب البنوك. وخدعة إنقاذ البنوك هذه لم تنطل على اليونان. وقد يكون يانيس فاروفاكيس الذي استقال يوم الاثنين من منصب وزير مالية اليونان مستفزاً، لكنه ليس أحمق فيما يبدو. ففي وقت مبكر يوم الاثنين الماضي، في مدونة على الإنترنت كتب «عمليات إنقاذ اليونان هي مناورات الغرض منها نقل خسائر القطاع الخاص بشكل مقصود إلى أكتاف أضعف اليونانيين قبل نقلها إلى دافعي الضرائب الأوروبيين الآخرين». هذه الرؤية الفطنة وإن لم تشتهر كثيراً، ترددت على ألسنة عدد صغير من المحللين ثاقبي البصيرة. وأفضل هؤلاء «ستيف راندي والدمان»، الذي تضمن تحليله لعمليات إنقاذ اليونان مناقشة عميقة لبرنامج المساعدة لعام 2010 باعتبارها «عملية إنقاذ للبنوك الأوروبية إلى حد كبير، بدأت لمنع أزمة مصرفية أوسع نطاقاً». ولسوء الحظ، فان إنقاذ البنوك باعتبارها طريقة لإصلاح أزمة مالية هو إجراء تشغيل معياري. ما عرف باسم «الإنقاذ المكسيكي عام 1982» كان في الحقيقة إنقاذاً للبنوك الأميركية التي قدمت قروضاً مسرفة للمكسيك وأيضاً للبرازيل والأرجنتين التي أصبحت قروضاً سيئة. وكما لو أنه إثبات أن كل الأطراف غير مستعدة لتتعلم من خبراتها، تكررت الأخطاء نفسها بالضبط مع اللاعبين أنفسهم، وهي البنوك والمقترضون من أميركا اللاتينية والولايات المتحدة- في عام 1994. وأزمات الأسواق الناشئة عام 1997 لم تكن متطابقة، لكن ظهر فيها أمور مشابهة عن الرفع المالي والتهور وفساد القروض. وهذا ما يقودنا إلى اليونان، وأحدث محاولة لإعادة جدولة الديون رفضها الشعب اليوناني بشدة باعتبارها عملية لا تتجاوز إنقاذ الدائنين الأوروبيين إلا قليلاً. ورغم أن المزيد من العذاب ينتظر اليونانيين، لكننا نسير على طريق نشر خسائر البنوك الألمانية. ولنأخذ في الاعتبار عمليات الإنقاذ وإعادة الجدولة السابقة، فإن التقشف المفروض على اليونانيين يجعل اقتصادهم أسوأ بشكل كبير. فالأزمة المالية كان من الممكن أن تكون سيئة لكن عمليات الإنقاذ جعلتها كارثة مما حول ضعف الأزمة الهشة لما بعد الائتمان إلى كساد كامل. ووفقاً لبيانات معهد إحصاءات الاتحاد الأوروبي «يوروستات»، انخفض الإنتاج المحلي الإجمالي لليونان 26 في المئة ليصل إلى 179 مليار يورو (198 مليار دولار) العام الماضي مقارنة مع 242 مليار يورو عام 2008. وانخفض الدخل القومي لكل فرد 24 في المئة وارتفع معدل البطالة إلى أكثر من 27 في المئة وأقل من عشرة في المئة عام 2005. وما أدخله الاتحاد الأوروبي على اليونان هو فيما يبدو عملية إنقاذ لا تكاد تخفى لمقرضي القطاع الخاص (وفي الأساس الألمان) وليس خطة لمستقبل اليونان. ومصطلح «اشتراكية الليمون» يعني تحديداً: الأرباح تخص والخسائر تعم. وبالتالي يمكننا فهم عدم قبول الجمهور لهذا الكيل بمكيالين وهو ما يفسر سبب الرد بالاحتجاج في أيرلندا والتصويت ضد التقشف في اليونان أو تشكيل حركات سياسية جديدة مثل حزب الشاي في الولايات المتحدة. ومع استقالة فاروفاكيس تخلص الأوروبيون من خصم كان يجعل المفاوضات صعبة، لكن الأحداث التي ساهم في صناعتها أهم بكثير من أسلوبه التفاوضي. فقد تعين على الأوروبيين أن يقبلوا أن اليونانيين لم يعودوا مستعدين لقبول أسلوب التقشف النمساوي باعتباره شرطا مسبقا لخطة إنقاذ. باري ريتولتز: كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»