ما أقصده هنا بالدراما هو المسلسلات التلفزيونية الرمضانية التي تعالج العلاقة بين العرب والصهاينة مثل مسلسل حارة اليهود.. إن هذا المسلسل الذي يتبنى رؤية للصراع العربي الإسرائيلي باعتباره صراعاً سياسياً وليس صراعاً دينياً يتعرض للمنطق الصهيوني على لسان إحدى الشخصيات الإسرائيلية، وهي شخصية ليفي اليهودي الأوروبي الذي هاجر إلى فلسطين تحت ضغوط الاضطهاد النازي لليهود. لقد وضع المسلسل ليلى اليهودية المصرية في حالة تفاعل مع ليفي في كيبوتس أو مزرعة جماعية صهيونية بعد أن أصيبت بصدمة عاطفية ناتجة عن هجر حبيبها المسلم «علي» لها في حارة اليهود بالقاهرة، لقد فرت إلى إسرائيل بدافع هذه الصدمة العاطفية، كما فر ليفي من أوروبا تحت تأثير الفزع من المذابح النازية. دعونا نذكر أننا ككتّاب مختصين في الصراع وفي الشؤون الإسرائيلية كنا ننبه دائماً إلى ضرورة الحذر من استخدام المصطلحات الصهيونية، مثل «جيش الدفاع» الإسرائيلي الذي قام بعملية طرد وتشريد عرب فلسطين من أرض إسرائيل. اليوم عندما ندخل إلى بيوتنا على لسان شخصية إسرائيلية منطق البراءة الزائفة الصهيوني، فإننا نصبح أمام سؤال جوهري هو: هل يصح أصلاً تقديم هذا المنطق للمشاهد العربي الذي تتنوع مستويات وعيه السياسي؟ إن هذا السؤال يفترض أن الإطار المزين الذي يقدم فيه هذا المنطق للمشاهد العربي، والذي لم يتعرض للتثقيف الكافي، يمكن أن يؤدي إلى اختراق وجدانه وعقله. طبعاً سيكون هناك رد على هذا الافتراض يقول إن مؤلف الدراما لا يترك المنطق الصهيوني يستقر في عقل المشاهد بل يعمل على نفيه على لسان شخصيات أخرى. هنا يجب أن نعرض بعض النماذج لنرى هل هناك ضرر يقع على مشاهدينا أم أن المسألة قابلة للاحتواء. على سبيل المثال تقول ليلى اليهودية المصرية وهي تجلس مع ليفي في الكيبوتس: كيف تكون شخصاً رومانسياً تقول الشعر وتعزف الموسيقى وفي نفس الوقت ترضى باحتلال أرض الآخرين؟ وتستطرد قائلة: أشعر أنني محتلة كما يحتل الإنجليز مصر. ويجيبها ليفي قائلاً: لقد كنت أفكر مثلك من قبل، لكني قرأت في التاريخ أن هذه أرض يهودية منذ زمن قديم، وقد جئنا إلى هنا لنعيش وليس لنعتدي على أحد، لكنهم هم الذين بدأوا بالعدوان علينا! وفي مشهد آخر قامت ليلى اليهودية المصرية بزيارة قرية عربية قريبة من الكيبوتس حيث رحب بها شيخ القرية ودعاها لحضور حفل زفاف ابنته، وعندما عادت إلى الكيبوتس اعترض على سلوكها ليفي وقال لها إنها عرّضت نفسها للخطر، فأجابت قائلة إنها تعرف العرب جيداً وهم لا يمكن أن يقوموا بالعدوان على شخص يقول لهم عليكم السلام، فيجيب ليفي داحضاً كلامها: لقد حاولنا العيش مع هؤلاء القوم في سلام، وهم الذين بدأوا بالعدوان علينا! إن هذه الأمثلة من حوار المسلسل تدعوني لفتح حوار مع القراء ليدلوا برأيهم. أما أنا فأعتقد أن المشاهد البسيط يمكن أن يتأثر بهذا المنطق الصهيوني أو أن يقع في حالة خطيرة أمامه فنكون قد جلبنا له مشكلة فكرية لا مبرر لها.