في الوقت الذي تتصبب فيه أوروبا عرقاً في صيف استثنائي في حره، تواجه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أربع أزمات على الأقل كل واحدة منها تثير سلسلة من الأسئلة عن الاستقرار والأمن في أكبر تكتل اقتصادي في العالم. وأول وأحدث هذه الأزمات يتعلق بالمحنة الاقتصادية لليونان وقرارها المتحدي والديمقراطي في نفس الوقت لرفض إجراءات التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنوك الأوروبية لحل مشكلتها المزمنة مع الديون. وفي الأيام المقبلة سيتضح ما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق بين اليونان ودائنيها، وما إذا كانت مجموعة جديدة من السياسات ستمنع انهيار النظام المصرفي اليوناني والاضطرابات الداخلية الخطيرة المحتملة من المواطنين الغاضبين والخائفين. وإذا وافق أعضاء منطقة اليورو التي لا تضم تسعة أعضاء من دول الاتحاد الأوروبي ومنها بريطانيا وبولندا والسويد على تقديم المزيد من التنازلات لوقاية اليونان من الإفلاس، فسوف تواجه رد فعل سلبيا من شعوبها الديمقراطية التي ستجادل بأن التوصل إلى اتفاق خاص باليونان لن يعني إلا ظهور مطالبات بتقديم مساعدات مشابهة للاقتصاديات الأوروبية الأخرى المتعثرة خاصة إسبانيا وإيطاليا والبرتغال. وانتقال مثل هذه العدوى قد تقضي على منطقة اليورو التي تمثل أحد الأعمدة الرئيسية في المشروع الأوروبي. والأزمة الثانية تتعلق بالعدد الكبير من المهاجرين غير الشرعيين الذين يسعون لنيل اللجوء في أوروبا فراراً من الفوضى والعنف في الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا وأفريقيا. والقادمون من أفريقيا يحاولون في الأساس الوصول إلى إيطاليا وإسبانيا، ويخوضون رحلات خطيرة في قوارب غير آمنة لعبور البحر المتوسط تقلع في الأساس من ليبيا. وغرق بالفعل هذا العام آلاف الأشخاص في العملية. وسعى مهاجرون آخرون من الشرق الأوسط وآسيا إلى سلوك طريق بري عبر تركيا وصولا إلى اليونان ثم عبر دول البلقان ليصلوا إلى المجر أو عبر تركيا ليصلوا إلى بلغاريا. وتواجه أوروبا أزمة إنسانية ورد فعل سياسي غاضب بشدة لوقف التدفق من المهاجرين. وتجادل دول جنوب أوروبا، وإيطاليا بصفة خاصة، بأن هذه مشكلة أوروبية وأن كل الدول الأعضاء يتعين أن يتقاسموا عبء العملية، وإما أن يقبلوا أو يُرحلوا المهاجرين. وأقامت المجر وبلغاريا أسواراً شائكة على امتداد حدودها مع صربيا وتركيا للمساعدة في وقف تدفق المهاجرين. والمهاجرون الذين ينتهي بهم المطاف في فرنسا، يذهبون إلى «كاليه» أملا في الدخول غير المشروع إلى بريطانيا عبر القناة الإنجليزية. وهذا أدى إلى خلافات مريرة بين بريطانيا وفرنسا على أمن الحدود. وثالث أزمة تتعلق بظاهرة معاكسة تماماً، وهي خروج آلاف الشباب الإسلاميين المشبعين بنظرية مثالية من كل أنحاء أوروبا سعياً للانضمام إلى تنظيم «داعش» والقتال من أجل إقامة دولة خلافة في الشرق الأوسط أو ربما فيما يتجاوزها. والحكومات الأوروبية قلقة من أن بعض هؤلاء الجهاديين سيعودون في نهاية المطاف إلى أوروبا ويقومون بأعمال الإرهاب في بلدانهم الأم. والهجوم على مقر صحيفة «شارلي إيبدو» في باريس، في شهر يناير الماضي، يعتقد أنه من تنفيذ إرهابيين ولدوا في فرنسا ولهم علاقات بجهاديين من جماعات تنتسب لـ«القاعدة» في اليمن. والأزمة الرابعة تتمثل في الحرب الأهلية الدائرة في أوكرانيا والمأزق القائم بين الغرب وروسيا والعودة إلى خطاب الحرب الباردة والاستفزازات العسكرية لهذه الحقبة. وطالما أن الحرب مستمرة، فسيواصل اقتصاد أوكرانيا الضعيف أصلا اضمحلاله ويرجح أن يتزايد الغضب والعنف. وأعرب الأوروبيون والأميركيون والروس عن رغبتهم في ألا يروا الأزمة تتصاعد لكن لا تلوح في الأفق أي حلول دبلوماسية مجدية. وفي هذه المرحلة لا يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيما يبدو للصراع أن يتفاقم حتى لا تتطور الأمور فتقضي على آماله في تعزيز مكانته في شرق أوروبا. فإذا بالغ في إقدامه على بذل جهود لتأكيد النفوذ والسيطرة الروسيين على البلدان التي خرجت من فلك الاتحاد السوفييتي بعد انهياره عام 1991، فقد يفرض الغرب المزيد من العقوبات ضد نظامه، مما قد يلحق به ضرراً كبيراً في وقت يترنح فيه الاقتصادي العالمي بينما أسعار النفط مازالت منخفضة للغاية. وعاجلا أم آجلا، يتعين التوصل إلى تسوية ما، لكن إذا ظلت الأزمات الأخرى في واجهة ومحور الاهتمام ستحتل أوكرانيا مرتبة منخفضة في قائمة الأولويات ما لم يحدث تصاعد مفاجئ في العنف.