رغم التهديدات والعزلة والعقوبات، فإن إيران تمكنت خلال 15 سنة الماضية من تطوير القدرة على تخصيب اليورانيوم الذي يمكن استعماله لصنع أسلحة نووية. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو ما إن كان من الممكن منع إيران من الإقدام على الخطوات التالية وإنتاج يورانيوم صالح للاستعمال العسكري من أجل صنع قنابل نووية أو رؤوس صاروخية؟ لا شك في أنه إذا تمكنت الولايات المتحدة وشركاؤها في المفاوضات وإيران من التوصل لاتفاق هذا الأسبوع بخصوص برنامج طهران النووي، فإن المؤيدين سيشيدون بما يتمخض عن تلك المفاوضات من نتائج، في حين سينبري المناوئون لتشريحها وتدقيقها فقرة فقرة. وسيقدم كل فريق حججه، بيد أن الحقائق هي المهمة، وسيكون من الصعب على الجمهور أن يقرر. ولنأخذ، على سبيل المثال، السؤال: لماذا بدت إيران فجأة راغبة، قبل عامين، في التفاوض من أجل التوصل لاتفاق حول برنامجها النووي؟ السيناتور توم كوتون، الجمهوري عن ولاية أركانسو، قال يوم الأحد على برنامج «ذيس ويك» على شبكة «إيه بي سي»: «الحقيقة هي أن كلاً من العقوبات في 2013 والتهديد بعقوبات أشد هما اللذان دفعا الإيرانيين إلى الجلوس على طاولة المفاوضات». وأضاف كوتون، وهو من منتقدي المقاربة التي تتبناها إدارة أوباما بخصوص المفاوضات، قائلاً: «لهذا كان ينبغي علينا ألا نخفف تلك العقوبات. وكان علينا أن نشدد على الشروط البسيطة التي كان الرئيس أوباما نفسه اقترحها في بداية العملية: أن تقوم إيران بتفكيك برنامجها النووي بشكل كلي، وبعد ذلك يحصلون على تخفيف العقوبات». أما القيادة الإيرانية، فتقول إنها انتقلت إلى التفاوض لسبب مختلف كلياً: إذ كانت قد فرغت من تطوير القدرة النووية التي كانت تريد. وفي هذا الصدد، قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في خطاب إلى مسؤوين حكوميين كبار قبل أسبوعين: «في اليوم الذي دخلنا فيه هذه المفاوضات كان لدينا إنجاز مهم ومقبول، فشعرنا أننا ندخل (المفاوضات) بأيد غير فارغة». وبعد أن أشار إلى أن الولايات المتحدة وقوى نووية أخرى رفضت بعد إسقاط الشاه في 1979 تزويد إيران الثورية بوقود نووي مخصب بنسبة 20 في المئة من أجل مفاعل البحث في طهران، قال خامنئي، إن العلماء الإيرانيين «فاجأوا الطرف الآخر، حيث أنتجوا (وقوداً) مخصباً بنسبة 20 في المئة». ثم لفت إلى أن «الجزء المهم والصعب في التخصيب النووي هو الانتقال من التخصيب بنسبة 3 في المئة و4 في المئة إلى 20 في المئة. أما الانتقال من التخصيب بنسبة 20 في المئة إلى 90 في المئة فهو خطوة بسيطة جداً». رأي تشاطره أجهزة الاستخبارات الأميركية. ففي 31 يناير 2012، قال مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ في جلسة علنية: «إن إيران تمتلك القدرة العلمية والتقنية والصناعية لإنتاج أسلحة نووية في نهاية المطاف، مما يجعل الموضوع رهناً بإرادتها السياسية لفعل ذلك. وهذا التطور (التقني) يدفعنا لخلاصة مفادها أن إيران قادرة تقنياً على إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة عالية من أجل صنع سلاح، إن هي قررت ذلك». والواقع أن العقوبات كان لها تأثير بالفعل. فقد قال خامنئي إنها أدت إلى سياسات «اقتصاد المقاومة»، الذي جعل الإيرانيين ينطوون على أنفسهم ويشجعون «التوفير.. واستهلاك المنتجات المحلية». وتحدث خامنئي عن المفاوضات، باعتبارها «أخذاً وعطاءً»، مضيفاً: «ليست لدينا أي مشكلة بهذا الخصوص في أن نعطي شيئاً، ونأخذ (بالمقابل) شيئاً من أجل رفع العقوبات. غير أنه لا ينبغي وقف القطاع النووي ولا ينبغي تدميره». رأي يتباين مع رأي كوتون يوم الأحد عن هدف المفاوضات، إذ قال: «كان ينبغي أن تواجه إيران اختياراً بسيطاً: تفكيك برنامجها النووي بشكل كلي، أو مواجهة خراب الاقتصاد والدمار العسكري لمنشآتها النووية». ومما لا شك فيه أنه إذا ما نجحت الأطراف في التوصل لاتفاق في نهاية المطاف، فإن ذلك لن يكون سوى بداية عملية سياسية ودبلوماسية معقدة وليس نهايتها. والتر بينوكس محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»