بعد الانقلاب الشعبي، الذي قامت به جموع المصريين من مختلف الفئات في 30 يونيو، وأيدته القوات المسلحة المصرية ضد الفاشية الدينية ممثلة في حكم «الإخوان المسلمين»، قامت قيادات الجماعة الإرهابية وأتباعها بسلسلة من أعمال العنف مع أنهم رفعوا في الوقت نفسه شعار «السلمية»! بمعنى أن العنف الذي يمارسونه سواء كان ذلك ممثلاً في أفعال تخريبية بالجامعات أم مظاهرات تتصدى للأمن بطلقات الرش أو حتى نسف أبراج الكهرباء، مما يضر بملايين السكان هو احتجاجات «سلمية» كرد فعل لإسقاط نظام «الإخوان» الديكتاتوري وعزل الرئيس مرسي. والواقع أن موضوع العنف شغل العلماء الاجتماعيين منذ عقود، وربما كان النموذج البارز له كتاب الفيلسوفة الألمانية الشهيرة «حنا آرندت» عن العنف. كما أنه كان محلاً لتنظير قادة الحركات الثورية المتنوعة، خصوصاً حين كانوا يحاولون تبرير ما أطلقوا عليه «العنف الثوري»، ليبرروا التجاوزات التي يمكن أن يرتكبوها ضد طبقات معنية مستغلة، أو حتى ضد السكان العاديين، باعتبار ذلك ضرورة من ضرورات الثورة على النظم الاستبدادية. ولا نريد أن ندخل في خضم هذه النظريات المجردة؛ لأننا - فيما يتعلق بجماعة «الإخوان» الإرهابية - نريد أن نطبق المنهج التاريخي لنتعرف إلى الصورة التي نشأت عليها عام 1928 حين أسسها «حسن البنا». وقد وصفها «البنا» في عبارة شهيرة بأوصاف تجعلها تجذب الأطياف السياسية كافة وكل الفئات الاجتماعية. فهي في نظره - كما صرح في رسالته للمؤتمر الخامس الذي عُقد في فبراير 1939- «دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفيي وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية». ولكن «البنا» أغفل عامداً متعمداً في هذا التوصيف الجامع لجماعة «الإخوان» أنها في المقام الأول جماعة مسلحة تتبنى العنف وسيلة أساسية لها لقلب الدول المدنية وتحويلها إلى دول «إسلامية» تطبق فيها أحكام الشريعة الإسلامية، تمهيداً لتأسيس «خلافة إسلامية»، وبذلك تكتمل حلقات المخطط «الإخواني» ليصبحوا - بحسب أدبياتهم المنشورة- «أساتذة العالم»! وهذا الإغفال كان طبيعياً في الواقع؛ لأن «البنا» مؤسس الجماعة لم يشأ أن يكشف عن مخططاتها التي تعتمد العنف أساساً لها، ولذلك أنشأ ما يطلق عليه «التنظيم السري»، وهو أشبه ما يكون بميليشيا عسكرية مهمتها القيام باغتيال خصوم جماعة «الإخوان». ومن الأهمية بمكان أن نؤكد أن «التنظيم السري» لم يكن يعلم بوجوده سوى عدد قليل جداً من قيادات «الإخوان»، ومن الأمانة أن نذكر أن الغالبية العظمى من أعضاء «الإخوان» لم يكونوا على علم إطلاقاً بوجود هذا التنظيم السري. إلا أن هذا «التنظيم السري» قد انكشف بعد أن قام أعضاؤه باغتيالات عدة لخصوم «الإخوان» تطبيقاً لأوامر المرشد «حسن البنا». فقد تم اغتيال «النقراشي» باشا رئيس وزراء مصر في الأربعينيات، وكذلك تم اغتيال المستشار «الخازندار» الذي سبق له أن أصدر أحكاماً قاسية على عدد من الإرهابيين «الإخوان» الذين قبض عليهم ومثلوا أمام القضاء. وهكذا يمكن القول - بناءً على التاريخ الموثق لجماعة «الإخوان»- إنها جماعة إرهابية منذ نشأتها الأولى. وقد أدت حوادث الاغتيال التي قامت بها ضد شخصيات سياسية مرموقة وضد قضاة أجلاء إلى اغتيال «حسن البنا» نفسه وتصفيته في ظروف غامضة. وهكذا يمكن القول إنه بالرغم من أن المرشدين العامين الذي خلفوا «حسن البنا» -ومن بينهم المستشار «الهضيبي»، الذي أصدر بياناً شهيراً عنوانه «دعاة لا قضاة» بمعنى أنهم يدعون إلى الإسلام ولا يحكمون على أحد- إلا أن التاريخ الفعلي للجماعة يثبت - بالرغم من محاولتها الادعاء بأنها «سلمية». بأنها لم تتخل عن العنف إطلاقاً باعتباره الاستراتيجية الأساسية لها. وقد ثبت بعد أن قفزت الجماعة للسلطة بعد ثورة 25 يناير في مصر عبر إجراءات ديموقراطية مشبوهة، أنها بعد إقصاء كافة الأحزاب السياسية حتى تنفرد كاملاً بعملية صنع القرار، مارست العنف الوحشي ضد المظاهرات السلمية التي قامت ضد ممارساتها الديكتاتورية كما ظهر جلياً في أحداث «الاتحادية»، حيث قامت ميلشيات «الإخوان» بضرب وسحل وقتل خصومها من المتظاهرين السلميين في وقائع مسجلة بالصوت والصورة. وإذا كان هذا هو التاريخ الدامي لجماعة «الإخوان» مع العنف، إلا أنهم استحدثوا - في رد فعلهم الهستيري على إقصاء الشعب لهم عن السلطة في مصر- صوراً جديدة من العنف لم يسبق أن استخدموها. فهم - بالإضافة إلى اغتيال ضباط الشرطة والقضاة وآخر حوادثهم اغتيال النائب العام «هشام بركات» - مارسوا بشكل منهجي تفجير ونسف أبراج الكهرباء على مستوى مصر كلها حتى يثيروا غضب الجماهير على الدولة بعد 30 يونيو.