قبل أكثر من عام أو يزيد قليلاً، كتبت مقالاً بعنوان: «الحرب على بنغازي تحدث حقيقة في بنغازي». وتناول أحداث العنف التي تضرب المدينة الليبية الشاطئية، بينما كان السياسيون في واشنطن يختلفون بشأن «بنغازي أخرى»، تلك الفضيحة المثيرة للاستقطاب التي أصبحت منفصلة تماماً عن المدينة التي تحمل اسمها. وبعد نحو 13 شهراً، لا يزال الوضع كما هو، ولكن مع انتشار مزيد من أحداث القتل المأساوية والمعاناة. ولا يزال «الجمهوريون» و«الديمقراطيون» يتشاكسون بشأن «بنغازي» التي في أذهانهم، تلك التي تشير إلى ما بعد الهجوم الإرهابي الذي وقع عام 2012 في المدينة، والذي أسفر عن مقتل أربعة أميركيين، لكن في هذه الأثناء، يبدو أن بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية، أصبحت ركاماً وأطلالاً، ودمرتها الحرب الأهلية الدائرة التي ابتليت بها ليبيا خلال العام الماضي. وحسب الرواية الأخيرة من «رامي موسى»، مراسل وكالة «أسوشيتد برس»، فقد اضطر أكثر من خُمس سكان المدينة البالغ عددهم 630 ألف نسمة إلى مغادرة منازلهم، وتم تدمير المدينة القديمة، المشهورة بمزيجها من النماذج المعمارية المغاربية والإيطالية. والآن، أصبحت السيارات المحترقة والمدمرة وأكوام المعادن والركام تبدو مثل «دُشم» الجبهة بين الفرقاء المتصارعين، وفي كثير من الأحياء، فجر الجنود مباني بأكملها لتطهيرها من شباك القناصة أو بحثاً عن أنفاق أرضية تستخدم في تهريب الأسلحة. وأغلقت المدارس أبوابها، بينما لا يزال عدد قليل من المستشفيات مفتوحاً، ويجبر نقص القمح والوقود السكانَ على الاصطفاف لساعات خارج المخابز ومحطات البنزين، بينما تعرضت أحياء كثيرة خلت من قاطنيها الذين فروا، للسرقة والإحراق على أيدي الميلشيات. تنقسم ليبيا بين فصائل يهيمن عليها متشددون يسيطرون على معاقل في العاصمة طرابلس، وحكومة معترف بها رسمياً اضطرت للانتقال إلى مدينة طبرق الشرقية، على الحدود مع مصر، وتعتبر بنغازي ميدان قتال بين ميليشيات متنافسة، تتنوع بين متطرفين مرتبطين بهجمات عام 2012 وجماعات كانت موالية للديكتاتور الليبي الراحل معمر القذافي، الذي لم يسفر إقصاؤه وموته في عام 2011 عن قيام النظام الديمقراطي المستقر الذي سعى إليه الليبيون. وتوقفت محادثات السلام المدعومة من الأمم المتحدة بين الفصائل المتنازعة الأسبوع الماضي، ومن الصعب إدراك كيف يمكن لأي اتفاق أن يعالج التفكك الذي ضرب البلاد العام الماضي، لاسيما أن اقتصاد ليبيا انهار، وتراجع إنتاجها من النفط إلى الثلث مقارنة بما كان عليه قبل الاضطرابات التي أطاحت بالقذافي عام 2011، بحسب وكالة «بلومبيرج» الإخبارية. وأخبر عصام الحمالي، عامل الإغاثة في بنغازي، «أسوشيتد برس» أن هناك أكثر من 140 ألف شخص نزحوا من المدينة، وكثير منهم كانوا يكافحون للعثور على الغذاء، بينما لم تحصل منظمته سوى على جزء يسير من المساعدات الخارجية التي وُعدت بها، وقال: «لقد أعلنا بنغازي منطقة كوارث، لكن يبدو أنه لا أحد يكترث». يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»