في الدراسات الأدبية ترمز «الدراما اليونانية» منذ ما قبل التاريخ المعاصر إلى مأساة لا يمكن الانفلات منها، يقاسي منها الجميع حتى ولو كانوا بعيدين عن أحداثها. فهل ستكرر «الدراما اليونانية» مع الأزمة المالية والاقتصادية في أوروبا، والتي قد تصبح عالمية؟ لا بأس أن يزيد ويكرر الإعلام العربي عن «داعش»، والحوثيين، ومآسي الحرب الدامية في سوريا.. إلى درجة اختزال حياة العرب -بما في ذلك اقتصادهم- في هذه الأحداث الأليمة، وكأنها أهم الأحداث العالمية أيضاً، أو أن ما يحدث في هذا العالم لا يؤثر علينا! لكن في هذه الحالة ما معنى كوننا نعيش في قرية عالمية؟ لمواجهة حالة التخمة في التركيز على القضايا العربية الداخلية، ينبغي النظر أيضاً إلى الكيفية التي يُؤثر بها الخارج علينا. أقصد بالدراما اليونانية سياسة حافة الهاوية بين هذا العضو في الاتحاد الأوروبي ومعظم بقية أعضاء الاتحاد، والتي قد تؤدي إلى أزمة مالية عالمية لن يكون الخليج بمنأى عنها، فالإعلام العالمي يحاول مناقشة السيناريوهات المختلفة لمواجهة الأزمة، والوثائق تقول إن اليونان مدينة بحوالي 257.5 مليار يورو، الجزء الأكبر منها لألمانيا (68.2 مليار يورو) وفرنسا (43.2 مليار يورو) وإيطاليا (38.4 مليار يورو)، أي الدول الكبرى المؤسسة للاتحاد الأوروبي. المفاوضات المتتالية لم تفض إلى نتيجة، بل شعر كثير من اليونانيين أن موقفهم الاقتصادي ومعيشتهم اليومية تسير من سيئ إلى أسوأ، فقد انخفضت الودائع في البنوك اليونانية من 240 مليار يورو في أبريل 2010 إلى 130 مليار يورو في يناير 2015 أي بقرابة الـ50%. وصلت سياسة حافة الهاوية إلى ذروتها الأسبوع الماضي عندما أعلن رئيس رئيس الوزراء الشاب ألكسيك تسيبراس عن استفتاء على عجل، وظهر في الإعلام يومياً لحث مواطنيه على التصويت بـ«لا» ضد اقتراحات التقشف المفروضة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وهدد وزير ماليته يانيس فاروفاليس (وهو أستاذ الاقتصاد السابق في بريطانيا) بالاستقالة إذا صوت اليونانيون بـ«نعم» (وقد استقال رغم التصويت بـ«لا»).. فكنا أمام مواجهة حية بين الحكومة اليونانية والدائنين الغربيين. ورغم التكهنات بتقارب نوايا التصويت بين «لا» و«نعم»، فقد فازت «لا» بنسبة 61%. وفي رأيي أن هذا هو السيناريو الأفضل، لأن التصويت بـ«نعم» كان سيؤدي لاستقالة الحكومة وتراكم أزمة بعد أخرى في ظل مزايدات داخلية، لأن موضوع الديون تعدى الناحية المالية البحتة وأصبح بالنسبة لكثير من اليونانيين موضوع كرامة وطنية: نظرة أوروبية دونية لليونان. لكن ما هو القادم؟ وكيف يؤثر على الخليج؟ ستستمر الأزمة وقد تشتد، ومن المؤكد أنه سيكون هناك استمرار للاندفاع على البنوك وسحب الأموال، مما يزيد من أزمة اليونان، ومن المؤكد أيضاً أن اليورو سيصاب بضربة وسيفقد جزءاً من قيمته في مواجهة الدولار وبعض العملات الآسيوية. وقد تقوم بعض دول الخليج بتحويل أرصدتها من اليورو إلى الدولار أو العملات الأخرى، لكن ماذا عن الاستثمارات طويلة الأجل في دول اليورو، مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، والتي ستفقد جزءاً من قيمتها المالية، على الأقل في المدى القصير؟ قد نكون في بداية الأزمة، فالحكومة اليونانية طلبت تفويضاً، وحصلت عليه، من شعبها للتفاوض مع الدائنين من مركز قوي وليس من أجل الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، لكن لا يعني هذا أن الدائنين سيقبلون وجهة نظر أثينا. وقد يبدو رئيس الوزراء اليوناني واهماً بعض الشيء عندما يُعلن أنه مع التفويض الممنوح من جانب «لا» سيحصل على اتفاق مع الاتحاد الأوروبي خلال 48 ساعة. سيقرر الأوروبيون ما يجب عمله تجاه «تمرد المديونين» وعدم قدرتهم على الدفع. هناك أصوات من جانب بعض دافعي الضرائب في ألمانيا والشمال الأوروبي تقول إن حكومة اليونان الحالية لا يمكن الوثوق بها، وبالتالي عدم إعطاء تنازلات، بل التهديد بطرد اليونان من الاتحاد الأوروبي، بما لذلك من آثار خطيرة على منطقة اليورو ذاتها. لكن هل ستسمح أميركا بخطوة من ذلك القبيل قد تؤدي إلى أزمة مالية جديدة، ستؤثر على حجم الواردات الأوروبية من البترول ومشتقاته؟ إنها أزمة مالية يونانية قد تصبح عالمية، وبالتالي ينبغي التفكير في سيناريوهات مختلفة لمواجهتها من جانب منطقتنا، وللإعلام العربي دور رئيسي في التحذير مما قد يحدث والاستعداد له.