الإرهاب يتمدد وتزداد شراسته ويتوسع نطاقه في سوريا والعراق واليمن، حيث توجد معاقله الرئيسة «سُنية» و«شيعية»، ويزداد خطره في مواقع أخرى صارت له ركائز فيها مثل ليبيا ومصر، ويتمدد في مواقع جديدة آخرها الكويت ومن قبلها تونس، ويسعى لاستعادة حضوره في مواقع هُزم فيها، وأهمها السعودية. ولا يتطلب الأمر، والحال هكذا، بحثاً عميقاً لكي نستنتج عدم فاعلية عملية مواجهته خلال الفترة الماضية، أو على الأقل ضعف تأثيرها. ينطبق هذا الاستنتاج على الدول التي تحارب الإرهاب على أرضها، وتلك التي تشارك في مواجهته، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي مضى على التحالف الدولي الواسع الذي أعلنته لهذا الغرض ما يقرب من عام. فالإرهاب لا يتصاعد ويتمدد بفعل قوة ذاتية يمتلكها مهما كانت قدرات بعض تنظيماته، بل نتيجة ضعف أدوات من يواجهونه أو عدم ملاءمتها. ولما كان القاسم المشترك في عملية مواجهة الإرهاب هو الاعتماد على الأداة الأمنية، تصبح المشكلة منهجية في المقام الأول، أي تتعلق بمنهج هذه المواجهة. لذلك تصبح مراجعة منهج مواجهة الإرهاب هي بداية التصحيح، بدلاً من الانشغال دوماً بالبحث عن تقصير أمني هنا أو هناك. فما أن تقع جريمة إرهابية حتى يبرز السؤال عن «الثغرة الأمنية» التي أتاحت حدوثها وحالت دون استباقها. ولا يعني ذلك استبعاد هذا السؤال، بل وضعه في مكانه الصحيح وحجمه الحقيقي، في إدراك أن الاعتماد على الأداة الأمنية وحدها لا يتيح محاصرة الإرهاب بشكل حاسم، وتقليصه إلى أدنى مستوى ممكن. ويعود ذلك لطبيعة العمل الأمني الذي يتسم بفاعلية أكبر في مواجهة الجرائم الجنائية العادية، مقارنةً بالجريمة الإرهابية. يهدف العمل الأمني عادة إلى منع الجريمة عبر جمع معلومات عن التشكيلات الإجرامية فور ظهورها، أي أنه يبدأ مع وجود العصابات والمجموعات التي يستهدفها قبل أن تنفذ جرائمها. لكن الجريمة الإرهابية تبدأ بتحول يحدث لأشخاص (شباب بالأساس) متطرفين باتجاه الإرهاب، ويصعب الانتباه لهذا التحول في غياب شواهد عليه يمكن اقتفاء أثرها. وقد ثبت في الشهور الأخيرة أن الكثير من منفذي الجرائم الإرهابية، خاصة في مصر وتونس، شبان ليس لهم سابق عهد بالإرهاب، وغير معروفين لأجهزة الأمن، ويصعب بالتالي كشف تحولهم في هذا الاتجاه وانخراطهم فيه قبل أن يمارسوا العنف بالفعل. كما أن التشكيل الإجرامي العادي ينتهي في الأغلب عقب توجيه أي ضربة أمنية كبيرة ضده، بخلاف التنظيم الإرهابي الذي غالباً ما يتمكن من تعويض خسائره البشرية ما دامت البيئة المجتمعية منتجة للتطرف والتعصب. لذلك تضعف فاعلية العمل الأمني في مواجهة الجريمة الإرهابية حين تكون البيئة المجتمعية أكثر إنتاجاً للتطرف. وفي هذه الحالة تصبح مراجعة المنهج الذي يجعل العمل الأمني أداة غالبة، بل وحيدة، في مواجهة الإرهاب ضرورة قصوى. فالثغرة التي ينبغي البحث عنها ليست أمنية في المقام الأول بقدر ما هي منهجية تكمن في ضعف الاهتمام بأثر البيئة المجتمعية في زيادة القابلية للتطرف. وهكذا يصبح تغيير البيئة المجتمعية عبر إصلاحات في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وفي الخطاب الديني، شرطاً لإنجاح مواجهة الإرهاب، جنباً إلى جنب مع تطوير العمل الأمني وسد الثغرات في حلقاته. وبمقدار ما يتحقق من إصلاح مجتمعي، تزداد فاعلية العمل الأمني ويقل ما يعتريه من ثغرات ينفذ منها الإرهاب، لأن الأعباء الملقاة على الأجهزة المكلفة بهذا العمل تقل. فمن شأن هذه الإصلاح أن يقلل تدريجياً أعداد الشباب الذين يتطرفون، ويلتحق بعضهم بالإرهاب. لذلك يرتبط الإصلاح اللازم لتجفيف منابع الإرهاب بزيادة فاعلية الأمن في ملاحقة من يمارسونه. وعندما تتكامل الأداتان الأمنية والإصلاحية على هذا النحو، يصبح الحديث عن حرب على الإرهاب دقيقاً. ومن دون ذلك لا يمكن الحديث عن أكثر من ملاحقة إرهابيين تنتج البيئة المجتمعية غيرهم.