مصر تدعو إلى «تحالف عربي» ضد الإرهاب بعد المواجهات المتكررة في سيناء والقاهرة. ليبيا الحكومة الشرعية دعت مراراً إلى مساعدتها ضد تنظيم «داعش» وميليشيات متحدرة من تنظيمات إرهابية، وهي التي خطفت العاصمة طرابلس وتسيطر على بعض أنحاء البلد. تونس تسعى إلى دعم من حلف الأطلسي «الناتو» بعد استفحال الهجمات الإرهابية. اليمن يعيش ولادة تنظيم «داعش» على أرضه بعدما اختُرق سابقاً من تنظيم «القاعدة»، بالإضافة إلى معاناته الشديدة من إرهاب جماعة «الحوثيين»، الذي خرّب الدولة والمؤسسات كما لو أنه الشقيق التوأم لـ «داعش». ودول مجلس التعاون الخليجي تؤكد تضامنها في صون أمنها بعد الاعتداءات الإرهابية في السعودية والكويت والبحرين، واستهداف الموكب الإغاثي الإماراتي في الصومال. ومن دون أن ننسى سوريا والعراق، هذه مجرد عناوين لوضع عربي لا يمكن اختزال متاعبه بهذه العصابات التي باتت تستهدف زعزعة الاستقرار وإشعال الفتن وتهديد الدولة والمؤسسات. يمكن أن نضيف استنفار الجيش الجزائري على الحدود، والحرب المفتوحة بين الجيش الباكستاني وحركة «طالبان» وبين هذه والجيش الأفغاني، وقد طرأ عليها أخيراً انسلال «داعش» في صفوف «طالبان» واقتطاعه رقعة سيطرة له في مناطقها. وحتى شمال مالي استعاد الاضطراب مع عودة جماعات «القاعدة» إليه. وبالطبع لا أحد ينسى جماعة «بوكو حرام» وفظائعها في نيجيريا والدول المجاورة. أما الصومال، فغدا نموذجاً لتصوّر أي سيناريو لأوضاع أي دولة في صدد التفكك أو الانهيار. ومثلما يبدو أن ثمة مرجعاً أو جهة يحرّكان الجماعات الإرهابية ويدفعانها في مسارات تدمير ماضي الشعوب وحاضرها ومستقبلها، أصبح لزاماً على الدول المستهدفة أن توحّد جهودها في خدمة القضية الواحدة المطلوب فيها دحر الإرهاب، خصوصاً أن التنظيمات تغذي خزّانها البشري من شباب هذه الدول. ولعل أول الواجبات إسقاط أي حرج يتعلق بالدين، ففي غمار الحرب، أضحى ضرباً من الوهم تجديد الخطاب أو الفكر الدينيين لمقاومة خطاب وفكر جماعات تكوّنت في كنف التطرّف السياسي قبل أن تعمد إلى إضفاء ثوب ديني عليه. كل الحكومات تعرف أن المعركة الآن ليست معركة الإسلام إنما هي مواجهة مع حال تمرّد مسلّح استفادت من تطوّر سبل الحياة ووسائط الاتصال، وخدمتها الظروف بوقوع ترسانات أسلحة هائلة في أيدي عصابات يخيّل إليها أنها مؤهلة لحكم البلاد وسوس العباد. وكل الحكومات مدعوة للاعتراف بأن ما نجح ليس الخطاب الديني لجماعات الإرهاب وإنما حصولها على مواطئ قدم ومناطق سيطرة تدعو إليها الشبان ليعيشوا حياة فوضى متخففة من أي قيم إنسانية أو أخلاقية. لا شيء يمنع الشروع في تجديد الخطاب وإصلاح السياسات طالما أن كل الحكومات باتت تعرف أيضاً أن الأمن وحده لا يشكّل حلاً لمعضلة الإرهاب التي نشأت كنتاج لأخطاء مزمنة في مقاربة الشؤون الداخلية أو فشل في التعامل مع القضايا الخارجية على المستويين العربي والإسلامي. طوال العقد الماضي تصاعدت في المجتمعات الغربية الضغوط التي تربط الإسلام بالإرهاب، ولم تكد تهدأ حتى أدّت جرائم «داعش» إلى تأجيجها مجدداً. وبمعزل عن هذه الضغوط التي تمارسها فئات عنصرية ومتطرفة في الغرب، بل حتى بسببها، ينبغي أن تكون المعركة مع الإرهاب بالغة الوضوح بأهدافها وأساليبها. فهذه فرصة تاريخية للدولة بعدما برهنت المجتمعات أنها تراهن عليها لا على الجماعات الإرهابية ومشاريعها الدموية. أما بالنسبة إلى كل الأحزاب والتيارات التي داومت طويلاً على إعلان الإسلام مرجعية لها، فهذه فرصة أخيرة لها كي تثبت أن «اسلاميتها» تعني بالضرورة وطنيتها والتزامها السلم والأمان لمجتمعاتها. غير أن الأولوية تبقى لغلبة الدولة وعلو شأنها لتكون قادرة على ملاقاة طموحات شعوبها. ثمة مشروع قرار لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قد لا تكون له أي فاعلية لكنه الأول من نوعه، إذ يتناول هجمات «داعش» ويعتبر أنها «لا يمكن أن تُنسب إلى أي دين أو شعب أو حضارة». صحيح أنه يركّز بشكل خاص على ما يجري في سوريا، إلا أن مضمونه وبعده الدولي يحاول أن ينصف جميع المسلمين الذين لم يكونوا يوماً معنيين بقتل أو ذبح ولا بأي اعتداء على غير المسلمين. لا يمكن إهمال صوت هذه الغالبية لمصلحة فئة لا تزال هامشية، ولم يكن لها أي دور في أي بناء أو نهضة.