عندما عمد المستشارون السابقون للرئيس أوباما إلى توجيه رسالة مفتوحة تلخص قلقهم من الصفقة النووية التي تتفاوض الإدارة الأميركية بشأنها مع إيران، وتشير إلى أنها ستفشل بسرعة لافتقارها لمعايير «الاتفاقية الجيدة»، بدا وكأن هناك خطأ ما في تناول الموضوع. لأن أولئك الذين بعثوا بتلك الرسالة، لم يكونوا وحدهم هم الذين يشعرون بالقلق والتوتر. والآن، وبعد انقضاء الموعد النهائي للمفاوضات، ينبغي على أوباما تجاهل لغته المهادنة التي تميّز بها إرثه الرئاسي، وأن يستعد لرفض «الصفقة الرديئة». وقبل عدة عقود، وبالضبط في شهر أكتوبر من عام 1986، وجد الرئيس الراحل «رونالد ريجان» نفسه أمام معضلة مشابهة خلال المحادثات التي أجراها مع رئيس الاتحاد السوفييتي السابق «ميخائيل جورباتشوف» لعقد اتفاقية حول حظر انتشار الصواريخ النووية متوسطة المدى التي جرت وقائعها في مدينة «ريكيافيك» عاصمة إيسلندا. وعلى رغم علم «ريجان» المسبق بأن عقد الاتفاقية مع الروس يمكن أن يحقق له مكاسب سياسية كثيرة، إلا أنه فضل الانصراف عن طاولة المحادثات، ولم يعد إليها إلا بعد أن ضمن الحصول على صفقة أفضل. وقد فهم «ريجان» آنذاك أن السلام من دون الحريّة لا معنى له، وأن الانصراف عن طاولة المباحثات بسبب إيمانه بهذه الحقيقة لا يقل أهمية عن معرفته بالوقت المناسب للعودة إليها. وتنطوي أحدث التقارير المتعلقة بالموقف من المفاوضات النووية مع إيران، إلى جانب التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين في إدارة أوباما، على أسباب تثير القلق في ثلاثة مجالات أساسية. وتشتمل هذه المجالات على: الرغبة الواضحة للإدارة الأميركية في السماح لإيران بالاحتفاظ بسرّية نشاطها النووي السابق ذي الطابع العسكري، والرفع المتوقع للعقوبات التي فرضت عليها بسبب برنامجها النووي، والافتقاد الواضح من قبل المفاوضين الأميركيين للرغبة في اشتراط التفتيش الصارم للمنشآت النووية الإيرانية كجزء من الصفقة النهائية. وتعكس أوجه القصور الثلاثة هذه، رغبة غير منضبطة للإدارة الأميركية في عقد الاتفاقية. على أن هذه الأوجه الثلاثة لن تضمن شيئاً غير التوصل إلى عقد «صفقة رديئة». وقبل شهرين فقط، قال وزير الخارجية جون كيري لقناة «بي بي إس» إن النظام الإيراني لابد أن يصرّح بجميع نشاطاته السابقة المتعلقة بالتسلح النووي إذا كان يريد التوصل إلى صفقة. وذلك لأن الشكوك التي تحوم حول سعي إيران السابق لصنع أسلحة نووية تقوّض مزاعمها بأن برنامجها النووي ذو أغراض سلمية مدنية. ولا تتوفر ثمّة طريقة للحكم على المقدرة الإيرانية النووية من دون معرفة ما كانت تخبئه خلال السنوات السابقة. وبالنظر إلى تاريخ البرنامج النووي الإيراني المفعم بمحاولات التعتيم والخداع، فقد أصبح العبء يقع على إيران وحدها لتثبت للعالم أنه ليس لديها ما تخفيه. وعلى رغم أن هذا الشرط لم يتحقق حتى الآن، فإن علينا أن نصرّ على تحقيقه. وتكمن المشكلة بحدّ ذاتها في أن المفاوضين الأميركيين لا يصرّون على ذلك. فقد قال «كيري» مؤخراً: «نحن لا نحصر اهتماماتنا في محاسبة إيران عما فعلته في لحظة أو أخرى من الزمن». ويمكن لهذا التصريح الرجراج وحده أن يؤجج المخاوف في أوساط نواب الكونجرس فيما يتعلق بالمسار العام الذي تسلكه المفاوضات. وفيما يتعلق بالسبب الثاني للقلق، فقد سبق لأوباما أن صرح في شهر أبريل الماضي بأن العقوبات الأميركية على إيران بسبب دعمها للإرهاب، وتجاهلها لحقوق الإنسان، وبرنامجها الهادف لصناعة صواريخ بالستية، ستتواصل وبشكل كامل حتى بعد عقد صفقة نووية معها. أما الآن، وبناء على خبر نشرته وكالة «أسوشييتدبرس»، فإن البيت الأبيض يحاول ربط حزمة العقوبات كلها بالملف النووي، بحيث يمكن رفعها بمجرد توقيع الصيغة النهائية للصفقة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي تغير في هذا الشأن غير الشعور المتزايد من الإدارة الأميركية باليأس من إمكان عقد الصفقة؟ ويدعونا هذا الموقف نحن أعضاء الكونجرس للقلق لأننا نتمسك بتوصيف تلك العقوبات بأنها ترتبط بممارسات إيرانية مشينة متعددة، ولا يمكن رفعها عن الإيرانيين إلا إذا تخلوا عن تلك الأفعال. وأما التعهد للإيرانيين بأنهم سيتحررون حتى من العقوبات التي لا ترتبط بالبرنامج النووي لو تم إبرام الصفقة، فسيلغي جميع التحذيرات بمعاقبة النظام الإيراني بسبب ممارساته وعدم احترامه لحقوق الإنسان. وعلينا ألا ننسى أيضاً أن العقوبات هي التي أرغمت الإيرانيين على الحضور إلى طاولة المفاوضات بعد أن انخفضت صادراتهم من النفط الخام إلى النصف خلال السنوات الثلاث الماضية، وانعزلت بنوكهم تماماً عن النظام المالي العالمي. ------------ كيفين مكارثي زعيم الأغلبية «الجمهورية» في مجلس النواب الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»