العملية الإرهابية التي استهدفت المصلين الصائمين في مسجد الإمام الصادق في الكويت الأسبوع الماضي أثارت زوبعة من التساؤلات حول مصير الكويت بعد الحادث المؤلم. والتساؤل الرئيسي هو: هل سيتم استغلال هذا الحدث لوضع تصور جديد لكويت المستقبل، أم سنعود لحالتنا السابقة؟ وكيف يمكن إنقاذ البلد من التطرف والغلو الديني والإرهاب؟ لقد طرحت عدة تمنيات لإعادة الوحدة الوطنية، وتم التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية والتحالف والتعاضد المجتمعي، والدعوة للصلوات المشتركة للسنة والشيعة في بعض المساجد.. وكلها أمور جميلة ومطلوبة، لكنها أماني ومشاعر طيبة تحتاج لمن يترجمها إلى برامج عملية حقيقية تبعد البلد عن التطرف والإرهاب. ما هي الخطوات السياسية التي اتخذتها الحكومة حتى الآن وبعد أسبوع من الكارثة المؤلمة؟ لقد بادرت الحكومة بالتفكير لإزالة مساجد الكيربي غير الرسمية والتي لا تخضع للحكومة وغير المرخصة.. حيث أكدت أجهزة أمن الدولة تورط بعض مرتاديها في الدعوة للإرهاب وحمل السلاح، وأنها أصبحت بؤرة لتجمع أصحاب الأفكار الشاذة والتكفيرية من دعاة العنف والتطرف.. دون أن تتدخل الحكومة قبل الآن لإغلاقها. قامت وزارة الأوقاف باتخاذ خطوات لتسجيل الخطب والدروس الدينية في كل مساجد وحسينيات الكويت، وإيقاف أي خطيب أو إمام يثير النعرات والفتن والتكفير، كما تم إلغاء الاعتكاف في المساجد هذا العام، فضلاً عن إلغاء مصليات العيد في الساحات العامة وقصر الصلاة في المساجد. السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الأمة وافقت على قانون «البصمة الوراثية» وتمت إحالته للحكومة، وهناك اتجاه لإنشاء أول بنك للبصمة الوراثية. يلاحظ من القرارات التي تم اتخاذها إلى الآن تركيزها على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهي وزارة مهمة كنا نحن الكتاب المؤمنون بالدولة المدنية ننصح الحكومة دائماً بإبعادها عن هيمنة تيارات الإسلام السياسي، وتحديداً «الإخوان المسلمين»، لكن الحكومة لاعتبارات سياسية بحتة وبسبب تحالفها مع تيارات الإسلام السياسي لضرب التيارات القومية والوطنية والليبرالية، سلّمت الوزارة ولجنة الوسطية التي تم تشكيلها لدراسة أسباب التطرف الديني والغلو في الدين وانخراط الشباب في العمل الجهادي، سلمتها لهذا التيار، ثم اكتشفت متأخرة بعد إنفاق ملايين الدنانير أن هذه اللجنة هي بؤرة عمل «الإخوان المسلمين» ولم تؤدِّ الغرض من عملها سوى تأكيد ما يعرفه الجميع وهو أن الإسلام دين وسطي. الآن يطالب الوزير من الخطباء الالتزام بالوسطية والاعتدال. التيارات الوطنية والليبرالية وأنصار الدولة المدنية، أكدوا في بيانات ومقالات ورسائل التواصل الاجتماعي أهمية إبعاد الدين عن الدولة وأن يتم التركيز على احترام الدستور ومدنية الدولة.. وتعزيز مفهوم المواطنة ودولة القانون. وطالبوا بتنقيح مناهج التربية الإسلامية وتنقيتها مما هو موجود فيها من شعارات مذهبية. كما طالبوا بكشف وإبعاد أصحاب الفكر التكفيري وخطاب الكراهية الذين تعاونوا مع الجماعات الجهادية ومحاسبتهم. كل تلك المطالب بمدنية الدولة لن تتحقق إلا إذا تم رد الاعتبارات لمؤسسات المجتمع المدني، لأن المجتمع المتحضر هو الدعامة القوية للدولة. وأخيراً نرى أنه لن يتحقق شيء ما لم تكن هناك حركة مجتمعية مدنية تؤمن بالحرية ومجتمع العدالة والمساواة والحداثة التي لا يمكن فيها استغلال الدين لأهداف سياسية. ---------------------- *أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت