إن كنت تعتقد أن الهجرة تمثل «قضية مسمومة» في السياسات الأميركية، فإن عليك أن تولي جزءاً من اهتمامك للنظر إلى الوضع في فرنسا وحيث تتقاطع الديموغرافيا مع الإرهاب والانتخابات الرئاسية لتصنع «الخلطة المسمومة الحقيقية». ولفترة عدة عقود مضت، عانت فرنسا أشد المعاناة من مشكلة النمو المتزايد لسكان الطبقة الدنيا من أبناء العمال الكادحين المقيمين في ضواحي المدن الصناعية، وأغلبهم من المهاجرين المسلمين وأبناء شعوب المستعمرات الفرنسية السابقة مثل الجزائر والمغرب وتونس. وخلال العام الجاري، وُجهت اتهامات لمواطنين فرنسيين من أصل شمال أفريقي، بالتورط في هجومين إرهابيين على الأقل. أولهما على مقر مجلة «شارلي إيبدو»، وحدث الهجوم الثاني الأسبوع الماضي على مصنع قرب مدينة «ليون» حيث تم عرض رأس مقطوع مرفوع على عصا قرب بوابة الدخول. وكان لهذه الأحداث أن تستثير المزيد من الجدل والنقاش بين السياسيين حول التحديات التي تواجه المجتمع من أفعال المسلمين المندمجين في صلب المجتمع الفرنسي المتمسك بعلمانيته. وأصرّ الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا أولاند على أن المشكلة تتعلق بالإرهاب وليس بالإسلام. وعمدت حكومته إلى توسيع قواعد الحوار مع المنظمات الإسلامية وزادت من قيمة المساعدات الممنوحة للشبان من ذوي الدخل المنخفض. وفي مقابل ذلك، انتقد المحافظون بقيادة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الحكومة بسبب «غرقها في السذاجة»، ودعا إلى حوار وطني حول وجود الإسلام في المجتمع الفرنسي. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2017، فلقد سارع «ساركوزي» الذي يخطط للترشح فيها من جديد، إلى الإعلان عن مقترحات محددة ترمي إلى تسخين الموقف. وعلى سبيل المثال، اقترح منع المرأة التي تدخل الجامعة من ارتداء الحجاب، ومنع «الكافيتيريات» الجامعية من تقديم قوائم الوجبات الخاصة التي تفرضها أحكام الشريعة الإسلامية. وكما هي الحال في الولايات المتحدة، فإن لفرنسا تقاليدها العريقة التي تهدف إلى فصل الدين عن الدولة، ويتم العمل بهذا التقليد بشكل دقيق باعتباره يمثل جزءاً من السياسة الوطنية العلمانية. وهذا الخط العلماني، يمنع أي إنسان من ارتداء الرموز الدينية ضمن المؤسسات والمباني الحكومية، ويحظر على الخادمات المدنيات ارتداء الحجاب أثناء العمل، كما لا يجوز للأمهات المحجبات أن يأتين إلى المدارس لأخذ أولادهن من المدرسة. وفي شهر أبريل، عمدت مدرسة ثانوية في شمال فرنسا، إلى طرد فتاة مسلمة لأنها ترتدي في صفّها «تنورة» طويلة سوداء. وجاء في فحوى التفسير الذي قدمته إدارة المدرسة أن الفتاة لو أنها قامت بهذا الاختيار لأسباب تتعلق بمتابعة «الموضة» لبقيت في صفّها، ولكن ونظراً لأنها فعلت ذلك بوحي من تفسيرها الخاص للتعاليم الدينية فلقد قمنا بمنعها من ذلك. وكانت القوانين المتعلقة بلباس طلاب الجامعات أقل صرامة حتى جاء ساركوزي إلى السلطة. وهناك قانون آخر يدعى «قانون منع البرقع» يحظر على النساء والرجال على حد سواء تغطية وجوههم في الأماكن العامة. وخلال العام الماضي، حضرت امرأة لمشاهدة عرض في «أوبرا باريس الوطنية» فطلب منها الحراس مغادرة القاعة إلا إذا خلعت حجابها، وما كان منها إلا غادرت. ولا يقتصر تطبيق قوانين الملابس على المسلمين وحدهم، بل تتعداهم إلى كل الأديان الأخرى. وهي تنص على عدم جواز ارتداء الصلبان في المدارس إذا كانت بارزة وواضحة. وفي شهر مارس الماضي، طُلب من «حَبر» يهودي خلع قلنسوته عندما كان يهم بدخول إحدى اللجان الانتخابية في مدينة «تولوز». ولكنّ هذه القوانين التي تلقى الدعم الكبير من السياسيين المنتمين إلى جناحي اليسار واليمين، تؤثر على المسلمين بأكثر من غيرهم. وتقول أوساط «منظمة الحقوق المدنية للمسلمين» إنها وثّقت عشرات الاعتداءات على نساء يرتدين الحجاب أو وشاح الرأس في الشوارع منذ بداية عام 2014. وقال لي مسلم يدعى «سيفين جويز» يعمل محامياً في الحقوق المدنية بمدينة «نيس»: «لا يوجد ثمة من خطأ في المبادئ التي تقوم عليها العلمانية. لكن الخطأ يكمن في النسخة المتطرفة للعلمانية إن كان لناحية اليمين أو اليسار. وعندما قال ساركوزي إن الحجاب ليس له مكان في فرنسا، فلقد سمع الشعب نداءه وقال: حسناً فإذا كان زعيم حزب الأغلبية يقول ذلك فإن من الواجب أن يصبح شرعةً». محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»