لقي المسلسل الدرامي المصري «حارة اليهود» منذ بث حلقته الأولى ردود فعل متناقضة، أولاً من جانب السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وثانياً من جانب التيارات السياسية المصرية، وثالثاً من جمهور المتفرجين في مصر والعالم العربي. من وجهة نظري أن جميع التعليقات كانت تفتقر إلى أدنى درجات الموضوعية؛ لأنها صدرت حتى قبل أن يكتمل بث الحلقات العشر الأولى، وقبل أن تتبلور أمامنا صورة الشخصيات. سنركز هنا على مواقف السفارة الإسرائيلية على صفحتها في «الفيسبوك» والتي رصدها بعض شباب الصحفيين. سنلاحظ أن بيان السفارة بعد الحلقة الأولى يختلف عن بيانها بعد الحلقة السادسة، أما السبب في هذا الاختلاف في تقديري فهو خلط السفارة بين البعد الاجتماعي والإنساني للمسلسل، والذي يصور حياة الجيرة المسالمة بين سكان الحارة من المسلمين والمسيحيين واليهود المنتمين جميعاً للطبقة الشعبية، وبين البعد السياسي، الذي يصور العدوان الصهيوني والإسرائيلي على العرب وعلى فلسطين. في البيان الأول قالت السفارة: «لاحظنا لأول مرة أن هذا المسلسل يمثل اليهود بطبيعتهم الحقيقية والإنسانية ونحن نبارك هذا التوجه». لقد قامت السفارة هنا بعملية تعميم أسقط فيها أن المسلسل يقدم عينات من الشخصيات اليهودية التي ولدت في مصر وعاشت فيها من دون اضطهاد وفي سلام قبل ظهور الحركة الصهيونية، وبالتالي بدت هذه الشخصيات مصرية صميمة. من نماذج هذه الشخصيات هارون صاحب محل الأقمشة في الحارة وزوجته وابنته ليلى التي كانت تعيش حالة حب منذ صباها مع جارها المسلم علي، والذي أصبح ضابطاً بالجيش المصري بعد تخرجه. ومن نماذجها أيضاً مزراحي تاجر الذهب وابنته مارسيل الشغوفة بالفن والتي تعمل «كومبارس» بالسينما المصرية. لقد قدم مؤلف المسلسل هذه الشخصيات ذات الإحساس المصري في إطار تاريخي صحيح قبل أن تحل لعنة العدوان الصهيوني على المنطقة. ذلك أنها شخصيات متآلفة مع التقاليد الشعبية المحافظة في الحارة المصرية عموماً، وهي على علاقة جيرة طيبة بالخليط البشري في الحارة، رغم أن اسمها كان حارة اليهود. إن أحداً من الباحثين الموضوعيين في مصر لم يخلط قط بين اليهود المسالمين وبين اليهود الذين أصيبوا بعدوى الحركة الصهيونية والتحقوا بها واعتدوا على الحقوق العربية في فلسطين. لقد قدم المسلسل شخصية الشاب موسى ابن عم هارون، كما يسميه جيرانه المسلمون والمسيحيون، وهو شاب تأثّر بالدعاية الصهيونية، التي راحت تشيع مصطلح معاداة السامية، وتعمم تجربة الاضطهاد النازي لليهود على جميع المجتمعات حتى التي كان اليهود ينعمون فيها بالأمان وإحساس المواطنة مثل مصر. لقد اختفى موسى من الحارة أثناء حرب فلسطين، بعد أن التحق بالجيش الصهيوني، فأثار مشاعر الريبة والكراهية ضده من جيرانه المسلمين والمسيحيين. من الواضح إذن أن المسلسل يميز بين اليهودي المسالم المقبول إنسانياً في المجتمع المصري، وبين من التحق بالصهيونية. غير أن السفارة أرادت من المسلسل أن يعامل هذا وذاك بنفس المعيار الإنساني، وعندما لم تتحقق هذه الرغبة أعلنت عن سخطها على المسلسل بدلاً من أن تنتبه إلى أن العدوان على العرب هو علّة كراهية المصريين للصهاينة وليس ديانتهم.