بعد أيام قليلة تحل علينا ذكرى رحيل زايد الخير، رحمه الله، في شهر الخير والعطاء، وها نحن نترقب ذكراه منذ رحيله لأن فيها رائحة الوطن الذي كان يسكن قلب زايد وعينه الراعية لمصلحته. إن كان زايد قد رحل عن دنيانا إلى رحمة الله، فإن صناعته لهذا الوطن من الباقيات الصالحات في وفاته، ولم يرحل حتى ترك أغلى ثمن الوطن الذي نحن مدينون بالحفاظ عليه وفاء لهذا العظيم الذي فارقنا والأمة قاطبة في أشد ساعات الحاجة إليه، وما يدور في العالم من حولنا خير شاهد على ذلك. إننا نقف اليوم أمام ذكرى رجل منذ وفاته لم نشعر بفراقه لأن رائحته الزكية تفوح في جميع أرجاء هذا الوطن المعطاء من عطائه. لماذا الحديث عن الوطن بعد مرور اثني عشر عاماً على رحيل باني هذا الوطن وراعيه بكل ما أوتي من قوة ومن الحكمة التي أخذت من حياته ليضيف إلى الآخرين من قدراته النفسية تجاه كل وطن عربي أصيب في أمنه واستقراره وزايد حينها كان وما زال حكيم العرب ورشيد ذلك الزمان وكل زمان. نستدعي هذا التاريخ المعطاء، ونسمع صوت زايد، طيَّب الله ثراه، وهو يعرف هذا الوطن بوجدانه، فقد قال بكل وضوح «إن الوطن هو الروح والفخار والحياة، وإنه لا حياة من غير وطن». قيل لنا أن نتأمل قليلاً ونعتبر بهذه المقولة الجوهرة، عندما نتابع شأن أكثر من 60 مليون لاجئ يهيمون على وجوههم حول العالم بحثاً عن «وطن» أي وطن يعيد إليهم الحياة الحقة بعد أن فقدوها في أوطانهم السابقة، ويا ليت الأمر يقف عند هذا الرقم ليوم واحد فقط لا غير، بل الإشكالية الأكبر، أن المعدل اليومي للهجرة والنزوح في العالم في عام 2014 بلغ 42,5 ألف شخص وهذا المؤشر الرقمي ارتفع خلال السنوات الأربع الأخيرة أربع مرات إلى أن وصل إلى قرابة 170 ألف شخص في اليوم يبحثون عن شيء شبيه بالوطن حتى يعودوا أناساً طبيعيين لكي يعيشوا آمنين في أوطان ترفع عنهم العنت وشظف العيش! فهلّا أدركنا حكمة حكيم العرب في شعوره بالوطن الحقيقي للإنسان كائناً من كان. ولم يقف زايد عند هذا الحد لينبّه إلى ما هو أعمق من ذلك مما يلامس المعتقد عندما قال: «..وحب الوطن من الإيمان، وإن الأسلاف والأجداد حافظوا على وطننا رغم الظروف الصعبة والحياة القاسية التي مرت عليهم، وعلى أبناء هذا الوطن أن يتفانوا في الحفاظ عليه خاصة بعد أن منّ الله علينا بالنعمة». ترى زايد ألهمه الله هذه المقولة حتى نرى اليوم كيف أن بعض الأوطان تستباح وحرماتها تُداس بالأقدام والبنادق وكل ما يخطر على البال من الوسائل التي تستخدم في الهدم والإذلال والمهانة وهدر الكرامات، وبسبب أفكار خرجت من ظلمات الكهوف والعقول الشاطحة. وها هو زايد وقد تنبه لذلك من قبل أن تصل الأمور إلى هذا الحال حيث حذرنا من ذلك المصير منذ عقود، فهو القائل لنا «احذروا يا أبنائي من التيارات المسمومة التي تأتيكم من الخارج ولا تقربوها ولا تعملوا بها.. اعملوا ما ترونه مفيداً وصالحاً للوطن من أجل تحقيق المزيد من النمو والازدهار والتقدم والنهضة للمواطنين والمقيمين». وما جرى منذ 2011 في العالم العربي أليس حصاداً مراً لتلك التيارات المسمومة التي جرفت الأوطان إلى واد سحيق من انعدام الأمن والأمان والاستقرار؟ أليست وقاية وحماية الوطن هي ما حدا بزايد لقول ذلك، وهذا أكثر دلالة على رؤية ثاقبة وحكمة بالغة لمجريات الأمور من حولنا. ونختم حديثنا عن ذلك بمقولته الذائعة الصيت عندما قال: «إن أبناء دولة الإمارات رجال نرحب بالاستماع إلى رأيهم، ونسعى إليهم دائماً ونحملهم المسؤولية الصغيرة والكبيرة، لأننا كلنا جنود لهذا الوطن، والذي لا يعد نفسه جندياً لأجل الوطن ليس منا».