أدت حالة الازدهار الاقتصادي التي تعيشها دولة الإمارات العربية المتحدة منذ فترة طويلة إلى دفع عجلة النشاط في القطاع المصرفي الإماراتي، إذ إنها مكنت الأفراد من المحافظة على دخولهم عند مستويات مرتفعة، وساعدت مؤسسات الأعمال على تعظيم الأرباح، كما أنها حسنت مؤشرات الأداء في المؤسسات الحكومية، وبالتوازي مع ذلك فقد واكبت هذه الحالة زيادة ملحوظة في تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى الدولة، وقد مثّلت كل هذه العوامل روافد لموجة كبيرة من السيولة النقدية تدفقت بقوة على القطاع المصرفي الإماراتي في صورة ودائع. وبفضل هذه المعطيات، أصبحت المصارف العاملة في الدولة أكثر قدرة على منح الائتمان مقارنة بجميع الفترات السابقة منذ بداية الأزمة المالية العالمية، بل إن منح الائتمان أصبح هدفاً بالنسبة إلى هذه المصارف، وذلك بعد أن شهدت الفترات الماضية، ولاسيما السنوات الأولى للأزمة، حالة من الحذر الشديد على توجهات تلك المصارف نحو منح الائتمان، وهي السمة التي لم تكن قاصرة على القطاع المصرفي الإماراتي فحسب، بل كانت سمة مشتركة في القطاع المصرفي العالمي برمته، بسبب حالة الضبابية الشديدة وفقدان الثقة التي كانت مسيطرة على الاقتصاد العالمي والأوضاع المالية العالمية ككل. وقد انطوت عودة المصارف الإماراتية إلى منح الائتمان بأنواعه كافة خلال الفترة الماضية، على عدد من الدلالات، أهمها: أن المصارف أصبحت على ثقة تامة بالمناخ الاستثماري وبيئة الأعمال الإماراتية، وباتت موقنة تمام اليقين بأن المستفيدين من خدماتها الائتمانية لديهم القدرة التامة على الوفاء بمديونياتهم، سواء تعلق الأمر بالأفراد أو المؤسسات الحكومية أو الخاصة، في ظل حالة الازدهار والنمو الاقتصادي المشار إليها مسبقاً. والدلالة الثانية، هي أن المؤسسات المصرفية والمالية في ذاتها من بين أهم المستفيدين من حالة الرواج والازدهار الاقتصادي في الدولة ككل، ولاسيما أن حالة الثقة المتنامية لدى المصارف وتوسعها في منح الائتمان، من شأنه أن ينعكس إيجابياً على أحجام الأنشطة وقيم العائدات والأرباح في القطاع المصرفي ذاته، ومن شأنه أن يجعل الفرص الاستثمارية المتاحة في القطاع المصرفي في الدولة أكثر جدوى، الأمر الذي تزداد في ظله قدرة المصارف على تحقيق الأرباح. وفي ظل الرغبة الشديدة في التوسع في الائتمان فقد تبنت المصارف العاملة في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة الماضية العديد من المبادرات من أجل جعل خدماتها الائتمانية أكثر جاذبية بالنسبة إلى المتعاملين، فأقدمت المصارف على تخفيض أسعار الفائدة إلى الحدود الدنيا المسموح بها، كما أنها اتجهت إلى منح تسهيلات كبيرة في طرق السداد، عبر تمديد فترات السماح، وكذلك اتجهت إلى إعفاء المقترضين من تسديد بعض الأقساط أو تأجيل سداد بعضها الآخر. وهي بطبيعة الحال مبادرات ذات أهمية كبيرة، ليس فقط بالنسبة إلى المقترضين ولكن بالنسبة إلى المصارف ذاتها أيضاً، إلا أن الأمر المهم في هذا الإطار هو ضرورة أن تتوفر أعلى مستويات الشفافية فيما يتعلق بشروط الحصول على الائتمان ومزايا التيسير التي يمكن أن يستفيد منها المقترض، مع الأخذ في الاعتبار أن توافر هذا الأمر يحفظ حقوق المقترضين تجاه المصارف، وهو في الوقت ذاته ينعكس إيجابياً على القدرات التنافسية لكل مصرف على حدة، وكذلك القدرات التنافسية للقطاع المصرفي بشكل عام، وكل هذه المعطيات تسهم في تحسين البيئة الاستثمارية وتحفيز النمو الاقتصادي على المستوى الكلي. عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية