لاشك أن منطقة الخليج العربي ظلت لعقود مديدة وهي بحاجة ماسة إلى وضع منظومة متكاملة ومستدامة لأمنها ضد أية مخاطر محتملة أو تهديدات داخلية كانت أو خارجية. فقد مر الخليج خلال العقود الأربعة الماضية على العديد من المخاطر والصراعات ابتداءً من نشوب الثورة الإيرانية وتحديات ما سمي حينها «تصدير الثورة»، وصولاً إلى الحرب العراقية الإيرانية، ومن ثم غزو الكويت، إلى الحرب الأميركية على العراق، إلى تفاقم خطر الجماعات الإرهابية، تالياً، إلا أن اللحظة الراهنة تعد هي الفترة الأشد خطورة أكثر من أي وقت مضى. ولاحتواء كل فائض المخاطر الراهن لابد أن تكون لدول الخليج العربية استراتيجيتها الأمنية الخاصة بها. وقد يكون التقارب الأميركي الإيراني فيما يتعلق بمشروع طهران النووي هو أبرز تحديات الفترة الحالية التي ينبغي أن تتعامل معها المنطقة بكل حزم لتحقيق المعادلة والموازنة التي تحول دون استنزاف موارد المنطقة ودخولها في دوامة أخرى من الصراعات اللانهائية، وخاصة أن إيران باتت اليوم تدير حروب وكالة على أخطر ما تكون من خلال نشرها الفتنة الطائفية والعرقية في داخل العديد من الدول العربية غير المستقرة. وليس التحدي الإقليمي المطروح على الدول الخليجية جديداً، ولا سبل البحث عن احتوائه جديداً أيضاً. ففي أجواء تحدي الحرب العراقية- الإيرانية تم تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكان الدافع الأمني ركناً أساسياً في دواعي إنشائه. وكانت هذه يومها استجابة جماعية جادة لتحد جماعي جارف. وبعد غزو العراق دخلت الكويت في اتفاقية دفاعية وتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية لعقد من الزمن، حينما كانت الولايات المتحدة تعد أمن منطقة الخليج جزءاً من أمنها القومي، أقله خوفاً على إمدادات النفط وحفاظاً على مصالحها الحيوية في المنطقة. ولكن ظل الجانب الأميركي في الشراكة مع دول الخليج مفضلاً اتفاقات التعاون والشراكة مع كل دولة خليجية على حدة، ولذلك وقعت واشنطن مع الكويت والبحرين على اتفاقات شراكة وتحالف من مستوى تصنيف «دولة حليفة من خارج الناتو»، فيما بقيت مستويات شراكتها مع بقية الدول الخليجية الأخرى أقل تصنيفاً من ذلك. وفي قمة كامب ديفيد الأخيرة جرى الحديث عن إمكانية ترفيع نوع الشراكة مع هذه الدول، دون أن يرشح موقف أميركي من هذا القبيل، في النهاية. وربما تبدو ملامح التراجع الأميركي في تحقيق الأمن لمنطقة الخليج أكثر وضوحاً وتنامياً خاصة بعدما أبدت دول المنطقة عدم رغبتها بتخفيض حصتها من النفط في فترة هبوط الأسعار كسلاح فعال لتغيير المسار في بعض الملفات وترويضها لصالح المنطقة. كما أن تطور إنتاج النفط الصخري في أميركا وتحولها هي نفسها قريباً إلى أكبر دولة مصدرة للنفط، وسياسة أوباما القاضية بالاستدارة نحو آسيا، ربما أدت بدورها إلى ذلك البرود الأميركي تجاه المنطقة. ولعل اتجاه العديد من قادة المنطقة نحو الشرق لتنويع الشراكات ولإيجاد منظومة أمنية للخليج بأقل بكثير من التكاليف الحالية تحمل نظرة أكثر شمولية لتحقيق الاستدامة الأمنية لفترات أطول وللأجيال القادمة، دون أن يتم المساس بأمن المنطقة. كما أن البدء جدياً ببناء القدرات الذاتية لتحقيق أمن الخليج والاستغناء مع مرور الوقت، إن دعا الحال، عن أي ضامن أمن مستورد، ينبغي أن يكون على رأس الأولويات الخليجية المستقبلية. وفي رأيي أن هذه المرحلة تستدعي إعطاء اهتمام كبير جداً وأولوية قصوى للأبعاد الداخلية للأمن في مجتمعاتنا، ويعني هذا من جانب العمل على احتواء صور ومظاهر أي احتقان طائفي، وتأكيد ضرورة التماسك الوطني والوحدة الوطنية، وهذه مسؤولية الكل في المجتمع، على المستويات الرسمية وغير الرسمية.