تواصل دولة الإمارات دورها في محاربة الإرهاب وتفكيك التطرف عبر مساهماتها على أكثر من جبهة، ومنها الجبهة الإرشادية والفكرية والثقافية، ويتجلى الدور الريادي للإمارات في هذا المجال من خلال تبني قيادة الدولة للتواصل مع المفكرين ورجال الدين المستنيرين الذين يحملون على عاتقهم مهمة تعميق مبادئ الوسطية والتسامح، ومؤازرتهم وإتاحة المنابر لهم وتنظيم المحاضرات والندوات بهدف تنوير العقل العربي، وكشف مخاطر التطرف، ودحض مقولات المتزمتين ودعاة الإرهاب الذين يعملون على تشويه الإسلام، كما يفعل تنظيم «داعش» وما يماثله من حركات وجماعات تستغل الدين لأغراض سياسية تخريبة ومدمرة. وضمن أحدث نشاط إماراتي في هذا الإطار، وبرعاية من قيادة الدولة، تستضيف الإمارات خلال شهر رمضان الجاري نخبة من العلماء العرب ضيوف صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، ضمن برنامج استضافة العلماء والوعاظ خلال الشهر الفضيل، بإشراف وزارة شؤون الرئاسة. وفي اللقاء الرمضاني بالعلماء الضيوف الذي تم الإثنين الماضي بقصر البطين في أبوظبي، جددت الإمارات دعمها وانحيازها للخطاب الإسلامي المعتدل، حيث قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أثناء استقبال سموه أصحاب الفضيلة العلماء ضيوف صاحب السمو رئيس الدولة: «إن دولة الإمارات، بالتعاون مع شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية وعلماء الدين، ماضية في إبراز ونشر وترسيخ قيم ومبادئ الدين الإسلامي الحقيقية، البعيدة كل البعد عن الغلو والتطرف والعنف، تلك المبادئ التي تقوم على التسامح والعدل والسلام والعيش المشترك والاحترام المتبادل». كما أشاد سموه «بالجهود التي يبذلها العلماء في العالمين العربي والإسلامي في شرح الصورة الصحيحة عن الدين الإسلامي، وغاياته ومبادئه وأهدافه السمحة في إعلاء قيمة الإنسان والعلم والتنمية والعمران، والرد على الجماعات الإرهابية التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، وتتخذ من العنف والتعصب والقتل والدمار وسيلة لتحقيق مآربها وأهدافها الخفية في بث بذور الفرقة بين أبناء الأمة الإسلامية، وتدمير بنيتها الإنسانية والاجتماعية والأمنية»، مطالباً سموُّه الجميعَ ببذل المزيد من الجهود والتعاون من أجل تحقيق مقاصد الإسلام السامية. وبمناسبة استضافة الإمارات لنخبة من كبار العلماء والوعاظ في هذا الشهر الكريم، ومن وحي الاهتمام الإماراتي بحشد العلماء لتوصيل الخطاب الديني المعتدل، يمكن القول إن تفكيك التطرف يتطلب من كل المؤسسات الرسمية في الدول العربية والإسلامية الانتقال من الاكتفاء بالاستهجان الإعلامي للإرهاب إلى مرحلة العمل الجاد لتحصين الأجيال الشابة من هذه الآفة. ولأن التطرف نوع من الانحراف الفكري، ينبغي تفعيل كل المنابر والمؤسسات المعنية بمخاطبة الجمهور، بما فيها المؤسسات الرسمية المختصة بالإرشاد والوعظ ووسائل الإعلام والجامعات والمعاهد، فالخطر يأتي من ترك الفرصة للمتطرفين الذين يستغلون الثغرات لبث سمومهم في أوساط المجتمعات. لذلك تتعين إعادة النظر في مستوى يقظة وإدراك الحكومات والشعوب لمخاطر تفشي الأفكار المتطرفة التي تعبث بعقول الشباب وتدفعهم للانخراط في صفوف الجماعات الإرهابية. ومن متابعة تدفق الإرهابيين إلى العراق وسوريا للالتحاق بـ«داعش»، وبالإضافة للتواطؤ المفضوح على الحدود التركية، نستنتج أن دولا عديدة لاتزال تكتفي بالفرجة وبإحصاء أعداد شبابها الملتحقين بجماعات القتل والعنف باسم الجهاد. وثمة استنتاج آخر يتعلق بما يحدث في سوريا تحديداً، كونها وجهة معتمدة لدى المتطرفين حالياً، إلى حد أن بعض التحليلات تعتبرها أفغانستان أخرى، ستولّد في المستقبل إشكالية مماثلة لما حصل إثر عودة «الأفغان العرب»، وكان الموقف السياسي العربي من الأزمة السورية قد تبلور منذ بداية الأحداث، وصار ثمة شبه إجماع على التعاطف مع الشعب السوري تجاه عنف النظام ودمويته، لكن الموقف السياسي المتعاطف مع الشعب السوري ظل يتداخل مع بعض التساهل غير المعلن مع توافد العناصر المتطرفة إلى سوريا، وهذا الأمر يتطلب الانتباه والتوازن وعدم تجاهل خطورة تنامي الفصائل المتطرفة على خلفية الصراع في سوريا.