تلقيت اتصالات عدة حول مقال «نكبة الليبرالية»، وكان معظمها يدور حول نقد الليبرالية التي أنتمي إليها ضمن إطارها الواسع، فكيف لليبرالي أن يوجه سهامه إلى الليبرالية. طبعاً الاستغراب له ما يبرره، وهو أننا تعودنا على ألا نمارس النقد، وكان غيابه إحدى علاتنا الثقافية التي تشكلت في مضمون الشخصية العربية وقد تربت على التفاخر بالنفس، وعلى لوم الآخر، وغيبت القدرة على نقد الذات، مما أدى إلى تراكم كبير للاخفاقات. وقد دأبنا على نقد السلطة، وهو أمر وارد، ولكن غفلنا عن مسؤولياتنا نحن كشركاء في الوطن، وساهمنا في تراكم السياسات العقيمة التي قادتنا إلى الفشل في بناء دولة المواطنة. وإحدى إشكالياتنا الثقافية المزمنة تتجسد في تحميل الطرف الآخر مسؤولية إخفاقاتنا أياً كان هذا الطرف. فالليبرالي يلوم غير الليبرالي، والعكس صحيح أيضاً، وقد تحولنا إلى حالة من التناحر الداخلي، وأغفلنا جميعاً مسؤولياتنا الوطنية. وعلى رغم حدة الأزمات التي نمر بها، لا نجد حتى اتفاق الحد الأدنى في كيفية التصدي لما يخطط للمنطقة العربية، ولا نجد محاولات جادة لوضع تصور مستقبلي مشترك يحد من حالة التهاوي التي نشهدها. وفي ظل هذا التشرذم قد يصبح من حق الدولة القُطرية أن تبحث عن بدائل خارج الإطار العربي لعلها تنجح في صد العواصف السياسية، وهذا ربما يجعلنا نتساءل حول جدوى الجامعة العربية، وهل هي قادرة على القيام بأي دور قيادي يوحد العمل العربي المشترك. ومن الواضح أن الجامعة العربية لم تعد لديها، هي أيضاً، خيارات كثيرة، نتيجة لغياب الرؤية المشتركة، مما قد يدفع البعض للبحث عن تحالفات تشكل أحد البدائل التي توفر الأمن الوطني. وفي التحليل السوسيولوجي نجد أن العلة الثقافية التي شكلت الشخصية العربية، هي علة متجذرة، ولا نعتقد أن من الممكن تغييرها إلا من خلال استراتيجية طويلة المدى، هذا إذا ما اتفقنا على التشخيص الناضج والموضوعي لطبيعة الأزمة العربية التي شغلت العالم، ومست صورة الثقافة الاسلامية وأصبح كل ما هو مسلم وكأنه مصدر خوف للآخر. وقد يكون ما نحتاجة هو أن نعيد النظر في برامجنا التعليمية، وكيفية إصلاح الخلل، وخصوصاً في مجال تدريس حصص الدين. ووفق معلوماتي الشخصية أن بعض دول الخليج العربية بادرت بمراجعة المحتوى، وإعادة صياغة حصص الدين، وما هو مطلوب أن يتعلم الطالب من هذه الحصص. ونتمنى أن نعيد صياغة المناهج وفق رؤية جديدة تضمن لنا ترسيخ الجوانب الحضارية والإنسانية حيث لدينا الكثير من القيم الدينية التي تحفظ الهوية دون الدخول في صراعات مع الهويات الأخرى. ولدينا كثير من الأنماط السلوكية الحضارية السامية التي غرسها الإسلام، إلا أننا أغفلنا تعليمها لأبنائنا، وركزنا بدلًا من ذلك في بعض الأحيان على تاريخ الفتوحات والعبادات، وافقتدنا التوازن في تعليم الدين. إن ثقافة الدين في حد ذاتها تكتسي وظيفة اجتماعية مهمتها بناء الشخصية القادرة على استخدام العقل في فهم الحدث، وترسيخ الحوار العقلاني، واحترام مختلف الثقافات الإنسانية. إننا اليوم أمام تحديات كبيرة، ولا يبدو أن هناك اتفاقاً على فهم طبيعة هذه التحديات، بل هناك أحياناً تسطيح غير طبيعي للأحداث التي تمر بها المنطقة العربية. وعلى سبيل المثال فاكتشاف خلايا «داعشية» من مجاميع شابة تتراوح أعمارها بين 15 و20 عاماً كان ينبغي أن يكون دافعاً لتساؤلات كثيرة علينا أن نطرحها لمعرفة السبب الذي أدى إلى انحراف وانجراف هؤلاء نحو التطرف «الداعشي»؟ وقد أكد كثير من الدراسات الاجتماعية أن العلاقة المتوترة مع المجتمع والسلطة وانعدام فرص العمل والأمل قد تدفع هؤلاء الشباب قاصري العقل والوعي نحو العنف والانحراف، ومن ثم تجد تلك المنظمات فرصة للتغرير بهم. ---------- أكاديمي كويتي