لو لم يغير أسلافي عام 1901 اسم العائلة حين وصولهم إلى الولايات المتحدة لكان لقبي الآن كوزنتس بدلًا من سميث! وقد قُدر لي أن أحمل اسم اقتصادي متفائل يعرفه الجميع هو آدم سميث. وكان سميث هذا متفائلًا ويرى أن التجارة والتبادل بحرية يؤديان إلى مجتمع أكثر ثراء. لكن عدداً أقل بكثير من الناس يعرفون سيمون كوزنتس. وللعلم فكوزنتس هذا اقتصادي هاجر من روسيا البيضاء، وفاز بجائزة نوبل، وينسب إليه الفضل في تعزيز فكرة الإنتاج المحلي الإجمالي الذي يقيم إجمالي ثروة المجتمع. ولكن كوزنتس كان يرى أن عدم المساواة شيء سيئ في المجتمع، وأن الاقتصاد الجيد هو ذلك القادر على رفع مستوى معيشة الجميع. وافترض كوزنتس أنه مع تزايد ثروة المجتمع قد يتزايد عدم المساواة أولًا ثم ينخفض فيما بعد. والأساس المنطقي لهذا بسيط ويتلخص في أنه في المراحل المبكرة من التصنيع يهاجر طوفان من العمال من المزارع إلى المدن فتنخفض الأجور ويتزايد ثراء ملاك الأراضي والمصانع. ولكن مع توقف سيل العمالة الرخيصة، ترتفع الأجور ويتقلص عدم المساواة. وقد أطلق على هذا النموذج المنحني الشكل اسم منحنى كوزنتس. ويتسق النموذج فيما يبدو وتجربة الدول الغربية الغنية التي شهدت ارتفاعاً في عدم المساواة في «العصر الذهبي» لبداية صعودها الاقتصادي، ولكن عدم المساواة تقلص بعد الحربين العالميتين. وحالياً بدأ الناس يشككون في التفاؤل الوردي لمنحنى كوزنتس. وتزايد عدم المساواة في الدول الغنية مع تقدم العولمة. وبدأ الناس يميلون إلى النبوءات المظلمة لتوماس بيكتي الذي يزعم أن عدم المساواة سيتزايد تلقائياً حتى تقع كارثة مثل الحروب العالمية. لكنني أعتقد أن المتنبئين بالويل والثبور يقفزون على الأحداث. ومن حق المرء أن يقلق، إذا اعتبر المرء الدول وحدات منفصلة ومكتفية بذاتها، كما كان الناس يفعلون في عصر كوزنتس. ولكن إذا اعتبر المرء الاقتصاد العالمي وحدة متكاملة وهو الأنسب في عصر العولمة، حينها سيشعر بتفاؤل نتيجة ما تظهره البيانات. ويوضح توماس «هيلبرانت» من «بنك أوف إنجلاند» و«باولو ماورو» من صندوق النقد الدولي في ورقة عمل أن معدل عدم المساواة العالمي يتقلص مع تقدم الدول الفقيرة. ومعامل «جيني» العالمي وهو معيار قياسي لعدم المساواة في الدخول يتقلص بسرعة. وفي عام 2003 بلغ المعامل 69. (صفر تعني مساواة تامة و100 تعني عدم مساواة تامة). وفي عام 2013 انخفض المعامل إلى 65. وإذا استمر التقلص بهذه الوتيرة فسيبلغ 61 بحلول عام 2035. وفي رسم توضيحي، أظهر «هيلبرانت» و«ماورو» كيف تطور توزيع الدخل العالمي أثناء العقد الماضي. وأظهرا أن التوزيع ككل يميل ناحية اليمين. ويؤشر إلى أن العالم يصبح أكثر مساواة بسرعة. ومن ثم يرفع المد الجميع. والمد المرتفع يرفع القوارب التي في القاع بسرعة أكبر من تلك التي في القمة. وهذا جيد للغاية حقاً ونتيجة ناجحة على رغم أنه كان من الجيد رؤية حدوث هذا دون زيادة في عدم المساواة داخل بعض الدول. ومن المهم أن ندرك أن هذه ظاهرة حديثة. ولفترة طويلة، كان العكس يحدث. وفي عام 1988، على سبيل المثال، أوضح مؤرخ الاقتصاد «براد ديلونج» أن الدول الفقيرة فشلت غالباً في اللحاق بركب الدول الغنية منذ عام 1870. والقوى الاستعمارية السابقة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة واليابان تتقدم إلى الأمام بينما تركت المستعمرات السابقة في حالة مزرية أو تكافح من أجل اللحاق بالركب. ولذا قد نشهد شيئاً مثل منحنى كوزنتس على صعيد عالمي. ففي المراحل المبكرة من النمو العالمي تتقدم الدول الغنية والأشخاص الأثرياء فيها على الآخرين ولكن باقي الجمع يلحق بهم في نهاية المطاف. وإذا كانت القوى التي تحرك عدم المساواة عالمية الطابع فعلاً، فهذا يعني أن الرأسمالية والتبادل تمثل قوة للخير فعلًا. ومعناه أننا لن نواجه فعلاً الخيار بين الثروة وعدم المساواة على المدى الطويل. وهذا يعني أنه بمجرد أن تحقق الدول الفقيرة بعض التقدم، فإن عدم المساواة سيتقلص داخل هذه الدول أيضاً. والبيانات الجديدة وتطبيق رؤية كوزنتس على المستوى العالمي تفند فكرة أن ثروة الدول الغنية قائمة على استغلال الدول الفقيرة. والرأسمالية ليست الاستعمار على كل حال. ومعظم ثرواتنا العالمية تتحقق بالتبادل والكدح وليس بالنهب والغصب. والمتفائلون اقتصادياً ما زالوا حتى الآن هم الفائزون أيضاً. --------- أستاذ مساعد في التمويل بجامعة «ستوني بروك» الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»