بعد مرور أربعة عشر عاماً على احتلال الجولان، قام مؤسس حزب «ليكود»، مناحيم بيجين، كرئيس لوزراء إسرائيل بدعوة الكنيست للتصويت على قانون ينص على ضم هضبة الجولان وإلغاء الحكم العسكري لسلطة الاحتلال وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها. كان ذلك الميل الصريح لإخراج الأطماع التوسعية الإسرائيلية من حيز الأيديولوجية النظرية إلى حيز التطبيق العملي في عام 1981 إذن. أما اليوم وبعد مرور أربعة وثلاثين عاماً على هذا القانون فقد جاء أحد تلاميذ مناحيم بيجين من معسكر اليمين الصهيوني «نفتالي بينيت»، زعيم حزب المستوطنين ووزير التربية والتعليم في حكومة نتنياهو الجديدة ليطالب العالم بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان وعدم مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية فيها. لقد ظل العالم منذ عام 1981 يرفض قيام إسرائيل بضم الجولان بل وأصدرت الحكومات في بلدان العالم بيانات شجب واستنكار للقرار الإسرائيلي ودعت منظمات أهلية في أوروبا إلى مقاطعة بضائع المستوطنات سواء القادمة من الضفة أو الجولان. إذن ما الجديد الذي يدعو وزيراً إسرائيلياً إلى دعوة العالم لتغيير موقفه؟ في تقديري أن الجديد هو تلك الروح المتسمة بالتحدي للقانون الدولي والقانون الإنساني ومبادئ المساواة الإنسانية على أساس الجنس والدين والعرق، وهي الروح التي تعمر جسد حكومة اليمين الإسرائيلية الحالية. لقد ظهرت هذه الروح في مواقف عديدة بدءاً من إصدار قرارات بتوسيع الاستيطان الإسرائيلي في الضفة ومروراً بقرار عنصري يفرض الفصل العنصري (آبارتايد)، كان مطبقاً في جنوب أفريقيا، على العمال العرب في الضفة وذلك بمنعهم من مخالطة المستوطنين اليهود على متن حافلات النقل العام. أضف إلى ذلك صدور قرارات بحصار المسجد الأقصى وتطويقه بالمستوطنات. لقد وقف «بينيت» الأسبوع الماضي في مؤتمر هرتسليا للأمن القومي والذي يعقد سنوياً ليقدم للعالم حججاً لتدير الأطماع التوسعية الصهيونية عثر عليها في التطورات الجارية في السنوات الأخيرة رغم وضوح هذه الأطماع التي عبّرت عن نفسها عام 1981. قال «بينيت» مصطنعاً حجته إن تنظيم «داعش» الذي يتحرك في سوريا كان يمكنه الوصول إلى حدود إسرائيل واحتلال مياه بحيرة طبرية لولا وجود القوات الإسرائيلية في الجولان! إنني أرجو من الأجهزة الدبلوماسية العربية أن تنتبه لضرورة تعرية هذه الحجة في العالم. ذلك أننا إذا تركناها فإن بعض الدول قد تجدها حجة مقنعة نتيجة للمخاوف من «داعش» وموجة الإرهاب الجديدة. لقد أسس «بينيت» على هذه الحجة خطة مستقبلية للجولان التي يقيم فيها الآن حوالى عشرين ألف مستوطن يهودي عندما طرح رؤيته لتوسيع وتكثيف الاستيطان اليهودي فيها ليبلغ عدد المستوطنين مائة ألف خلال السنوات الخمس القادمة. من الواضح أن «بينيت» لم يكتسب بعد الدهاء الذي يتمتع به نتنياهو الذي يستطيع أن يستر أطماعه الصهيونية بغلالات دبلوماسية على غرار اعترافه بحل إقامة الدولة الفلسطينية رغم أنه كان يبطن عكس هذا. ذلك أن بينيت أفسد وجاهة حجته عن «داعش» عندما قال إن اقتراحه يمثل عملاً منبثقاً عن الأيديولوجية الصهيونية قابلاً للتنفيذ في إطار فرصة لن تتكرر ثانية. لقد أراد بينيت هنا أن يستنهض الهمم الإسرائيلية لتنفيذ اقتراحه ففضح دوافعه الحقيقية لاحتلال الجولان والعمل على تأكيد ضمها. أعتقد أن أجهزتنا الدبلوماسية يمكنها بسهولة فضح هذا المنطق التوسعي الصهيوني.