لعل أفضل من يؤلف عن جيل الشباب المولعين إلى حد الهوس بالتقنيات الجديدة ومواقع التواصل الاجتماعي اليوم هو مَن كان منتمياً إلى تلك الشريحة تحديداً، كونه يتحدث من الداخل، وبلغة الواصف والملاحظ- المشارك، وهذا ما يصدق تحديداً على مؤلفة شابة تدعى «ديتلين كلافييه»، أصدرت منذ فترة قريبة كتيّباً بعنوان: «ألم وبؤس جيل الفيسبوك»، تحدثت فيه بما يشبه المونولوج الداخلي أو التداعي الذاتي في الكلام، عن سباحة جيلها، بل غرقه في سرابات الفيسبوك وغيره من عوالم الشبكة العنكبوتية، التي تأخذ عليهم كل جوارحهم، وتتحول لدى المدمنين الرقميين منهم خاصة إلى عالم آخر بديل عن العالم الواقعي، بما قد يحول بينهم وبين التعاطي بإيجابية مع الحياة الواقعية. ويكفي أن الكاتبة نفسها من مواليد 1994، ومع أنها كانت متفوقة في الدراسة حتى تحصلت على الباكلوريا (الثانوية العامة) في سنة 2012، إلا أن اللهاث وراء الشهرة والمال والنجومية الرقمية جعلها تتسرب دراسياً، إن صح التعبير، لتصبح بسرعة ناشطة مشهورة في العديد من المنظمات غير الحكومية البيئية والإنسانية العاملة في فرنسا وألمانيا، ولتصبح أيضاً مدونة ذات شهرة في عالم مواقع التواصل. وتتحدث الكاتبة عن معاناة جيل الفيسبوك والإنترنت، بصفة عامة، وتتكلم عن ذلك بضمير المتكلم، حيث يمضي الشاب سحابة يومه وعيناه مشدودتان متسمّرتان على شاشة حاسوبه أو هاتفه الذكي، ربما حتى لا يرى ما يدور حوله في بقية العالم الواقعي. وحين يدخل إلى بروفايله الشخصي بشكل محموم فهو يفعل ذلك، ضمناً، لكي يتعرف على ذاته، ويعرف مَن يكون، وما هي هويته، من خلال انعكاس صورته في صفحات «الأصدقاء» و«أصدقاء الأصدقاء»، وأصداء «المعلقين» الآخرين في المجتمع الرقمي الموهوم المزعوم! وحيث يفزع «المستخدم» إلى هاتفه الذكي في كل مرة للشعور بالأمان، كما كان «الأجداد» يلجأون، في مثل هذه المواقف، إلى الأقارب والأصدقاء والجيران في العالم الواقعي الغابر!. وبدلاً من ذلك هو يحتمي بهاتفه أو شاشته للتأكد من أنه ليس متوحداً ولا منقطعاً عن العالم، الذي تكاد تكون صِلاته الواقعية به قد ذهبت أصلاً إلى غير رجعة! وحين يحرك المدمن الرقمي المهووس -حتى لا يقال الممسوس- أصابعه على شاشة اللمس في مقدوره أن يتأكد أيضاً بأنه لم ينقطع عن الواقع، وأن العالم الجديد- السعيد ما زال يحيط به من كل مكان، ويحفل حوله بالحياة والحركة والمعنى وصخب الناس وزحام الحواس! وفي المجمل فهذا الكتيّب يتتبع يوميات بعض هذا الجيل الجديد المدمن على مواقع التواصل، والمنقطع في عالمه الرقمي الموازي عن العالم الواقعي.. وهو جيل يواجه أسئلة الشخصية والذات والهوية، ومعنى الاندماج في علاقات اجتماعية حقيقية بكل ما فيها من إيجابية وتجارب وخبرات كفيلة بتنمية الشخصية الفردية، وتقوية دعائم مجتمع إنساني متماسك ومتساند متعاضد، لا معنى للاجتماع والثقافة والتاريخ أصلاً من دون الاندماج فيه، ولا يمكن أن يعوضه، بأي حال، استغراق الإنسان في ثنايا وطوايا هاتفه وشاشته، وفي عالم رقمي مفارق للواقع يدور فيه حول ذاته! ويتملّى في سراباته بعض هذا الجيل عوالم بروفايلاتهم، تماماً كما كان «نرسيس» في الأسطورة القديمة يتملى ظلال وجهه المنعكس على صفحة مياه النهر، فكان بذلك رمزاً للانطواء والانزواء حول الذات، والوقوف على شرفة عوالم الهلاوس والوساوس البعيدة، غير المفيدة. حسن ولد المختار الكتاب: ألم وبؤس جيل الفيسبوك المؤلفة: ديتلين كلافييه الناشر: أديليفر تاريخ النشر: 2015