خلال الأيام القليلة الماضية، رحت أتساءل مع نفسي عما إذا كانت الحكومة اليونانية تتطلع بالفعل لعقد صفقة حول ديونها، أم أن سعيها المتواصل للتهرّب من الوصول بالمفاوضات إلى نتيجة، يمكن أن يعكس ميلها المجرّد لإبراز غضب اليونانيين وتنديدهم بمواقف دائنيهم بدلا من إلقاء اللوم على حكومتهم. وحتى اليوم، يبدو لي أن الموقف لا يزال إيجابياً. ولكن السؤال المهم هو الذي يدور حول ما إذا كان التكتيك المستند على «برنامج سيريتزا الإصلاحي» في اليونان لا زال ينبض بالحياة؟ وهل تمّ التثبّت بالدليل القاطع من الحجج التي يطرحها اليونانيون؟ وكان الوفد اليوناني قد سافر إلى بروكسل في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، لهدف ظاهري هو القيام بجهوده الدقيقة الأخيرة من أجل تضييق شقّة الخلافات مع الدائنين الأوروبيين. وعادة ما تتواصل مثل هذه الاجتماعات على مدار الليل في أوروبا لو كانت تتصف بالجدّ والنيّة الصادقة في الوصول بها إلى نتيجة. إلا أن الجولة الأخيرة لم تستغرق إلا 45 دقيقة قبل أن ينفضّ الاجتماع ويتفق الطرفان على أنه يفتقر لوجهة محددة يمكن التفاوض حولها. وهذا ما قاله رئيس الوزراء اليوناني «ألكسيس تسيبراس» حول المحادثات الفاشلة وحملة الإنقاذ الجديدة: «لا يسع المرء إلا أن يشكك بالدوافع الحقيقية التي تقف وراء إصرار المؤسسات الدائنة على دفعنا لفرض المزيد من الاقتطاعات على الرواتب التقاعدية. ولقد حرصت الحكومة اليونانية على التفاوض بناء على خطة محددة واقتراحات موثّقة. وسوف ننتظر بصبر نافد حتى تقرر تلك المؤسسات التحلّي بالواقعية. وموقفنا هذا ليس من قبيل العناد الأيديولوجي، بل هو نابع من طبيعة الممارسة الديمقراطية». إنه بالفعل كلام طنّان ُقصد منه التخدير ليس إلا. وحتى اليونانيون أنفسهم لا يبدو أنهم يتسوقونه. ففي أحدث استطلاع للرأي، قال أغلبهم إنهم لا يوافقون على الحيل والتكتيكات التي تتبعها حكومتهم، وقال 77? من المشاركين في الاستطلاع إنهم يتمنون على «تسيبراس» الإسراع في عقد صفقة مع الدائنين. وعلى نحو مشابه، عبرت الغالبية العظمى من اليونانيين عن رغبتها في الإبقاء على عملة اليورو. ويبدو من الحماقة بالنسبة للدول الدائنة التمسك بحلم إجبار اليونان على دفع ديون يصل مجموعها إلى 180? من ناتجها المحلي الإجمالي. وتعقيباً على هذا الوضع الصعب، قال «أوليفييه بلانشار» رئيس الصندوق الاقتصادي في «صندوق النقد الدولي» من خلال فقرة أدرجها في مدوّنته الشخصية على الإنترنت: «إن الشيء الذي يجب أن تفعله اليونان الآن هو الإسراع في إصلاح اقتصادها المفتقر إلى القدرة على التنافس». وتُبدي الدول الأكثر فقراً في منطقة اليورو موقفاً متصلباً في رفض الطلب اليوناني بشطب جزء من ديونها. ومنها سلوفاكيا التي تلقّت حكومتها السابقة توبيخاً من المفوضية الأوروبية وألمانيا عام 2010 بسبب رفضها دفع حصتها من الحملة الإنقاذية اليونانية التي بلغت قيمتها الإجمالية 110 مليارات يورو. ويبدو أن الحكومة السلوفاكية الحالية اتخذت موقفاً أكثر وضوحاً حيال الأزمة اليونانية عندما صرح رئيس الوزراء «روبرت فيكو» بأن سلوفاكيا لن تدفع «قرشاً» واحداً بعد الآن. ولا تمتلك دول البلطيق الثلاث: إستونيا ولاتفيا وليثوانيا، إلا القليل فحسب من دوافع التعاطف مع اليونانيين. وبين عام 2007 و2009، خسرت لاتفيا 24? من الناتج المحلي الإجمالي بسبب حالة انكماش اقتصادي لا تقل حجماً عن تلك التي عانت منها اليونان وربما كانت أسوأ منها، فإن الدول الثلاث آثرت التمسك بالجذور العميقة التي تربطها بعملة اليورو. حدث هذا في وقت كانت تتعرض فيه لظروف تدفعها لرفض المزايا غير المشجعة لتخفيض عملتها والتي يفرضها عليها الاتحاد، ولكنّها قررت تبنّي عملة اليورو رغم كل ذلك. وطبقت إستونيا النظام الجديد عام 2011 وتبعتها لاتفيا عام 2014، ثم ليتوانيا في شهر يناير من العام الجاري. كما أن البرتغال وإسبانيا وإيرلاندا تعاني جميعاً من برامج الإنقاذ، إلا أنها عبرت عن عدم رغبتها في الانحراف عن مسيرة الاتحاد الأوروبي. فهل تلتزم اليونان بموقف مماثل؟