يبدو أن الرئيس أوباما أخذ يخسر دعم حزبه ليس بخصوص التجارة فحسب. فمع تفاقم التفاوت الاجتماعي وركود الأجور، بدأ بعض «الديمقراطيين» يدعون هيلاري كلينتون إلى تجاوز رؤية أوباما الاقتصادية وتقديم شيء أكثر اختلافاً ودراماتيكية. ولكن قبل القطع مع برنامج أوباما بكامله، من المفيد أن نتذكّر هنا أن فلسفة أوباما الاقتصادية لم تفشل، وإنما لم تجرَّب بكل بساطة. صحيح أن الكونجرس صادق على قانون مهم لتنشيط الاقتصاد وفق الخطوط التي أرادها أوباما خلال الأيام الأولى لرئاسته - وهو القانون الذي ربما يعود إليه الفضل، إلى جانب تدابير «الاحتياطي الفيدرالي»، في إنقاذ البلاد من انهيار مالي كامل. كما أن أوباما تمكن من تمرير إصلاحه لنظام الرعاية الصحية من الكونجرس قبل أن يفقد أغلبيتيه «الديمقراطيتين» ومنذ ذلك الوقت، يحرز أوباما و«جمهوريو» الكونجرس التعادل، فأُهملت في الأثناء مقترحات الرئيس الاقتصادية وضعفت. ولأن تلك المقترحات مرتبطة برؤية للاقتصاد تختلف اختلافاً كبيراً عما يصدر حالياً عن يسار حزبه من مقترحات ومطالب، فربما من المفيد إلقاء نظرة عليها - وتذكّر أنها لم تجرَّب بعد بشكل كامل. فبشكل مبسط، ترى وجهة النظر الصاعدة أن التفاوت إنما يعزى إلى السلوكات الضارة للشركات ومدرائها الذين يتقاضون أجوراً فاحشة، وأن دور الحكومة هو إعادة توزيع الثروة من خلال فرض ضرائب على أولئك المدراء ومطالبتهم بمضاعفة أجور موظفيهم الأقل أجراً. وبالتوازي مع ذلك، ينبغي على الدولة أن توسّع دورها، ليس من أجل الفقراء فحسب، وإنما من أجل الطبقة المتوسطة أيضاً، من خلال زيادة الضمان الاجتماعي والرسوم الدراسية المجانية بغض النظر عن الدخل وما إلى ذلك. أما وجهة نظر أوباما، بشكل مبسط أيضاً، فترى أن مديري الشركات ومديري صناديق التحوط يتلقون أجوراً مرتفعة جداً بالفعل، ولكن خفض رواتبهم لن يحل مشاكل البلاد. فالعولمة والتحول التكنولوجي يشكّلان ضغطاً على الطبقة المتوسطة، والأمل الوحيد هو تشجيع النمو الاقتصادي - جزئياً عبر منع الحكومة من كبح هذا النمو - وتمكين الطبقة العاملة من تقاسم ثماره. ولكن، لماذا لم نطبق هذا المخطط الاقتصادي رغم مرور أكثر من ست سنوات على رئاسة أوباما؟ أولا؛ لأن أموال برامج الاستحقاق الاجتماعي تلتهم جزءاً كبيراً ومتزايداً من الميزانية، ولا تترك سوى القليل لأشكال الإنفاق الأخرى. وهذا تحدٍ كان كل من أوباما و«الجمهوريين» قد وعدوا بمواجهته، ولكنهم تخلوا عنه في الأخير. وثانياً، لأن «الجمهوريين» لن يوافقوا على جمع عائد كاف لدعم أشكال الاستثمار التي تحتاج إليها البلاد. ومثلما فقد أوباما دعم حزبه في موضوع التجارة، فإن هيلاري كلينتون أيضاً قد تجد صعوبة في الحفاظ على دعم «الديمقراطيين» لبرنامج مؤيد للنمو ومستوعب للجميع، غير أنها تدرك أن حملة انتخابية تقوم على التظلم ومشاعر الغضب المناوئة للشركات يمكن أن تشكّل عبئا لها في الانتخابات العامة. بل إن الناخبين المتأرجحين، أولئك الذين لم يحسموا اختياراتهم بعد، قد يكون لديهم سؤال مختلف: كيف ستحقق كلينتون نجاحاً أكبر من أوباما في إقناع مجلس نواب يسيطر عليه الجمهوريون (على الأرجح) بتطبيق مخططها؟ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»