درست في مرحلة الماجستير مادة عن المنظمات الدولية والإقليمية ومواثيقها وحدود أدوارها وما يمكن أن تساهم به من أجل تحقيق الأمن والسلم الدوليين وتخفيف المعاناة الإنسانية، ثم درّست هذه المادة لاحقاً، لكني لم أتوقع بعد كل هذه السنوات أن يأتي عليّ يوم أكتب فيه منتقداً منظمة عزيزة على قلوبنا جميعاً كونها من تركات الراحل الكبير الملك فيصل بن عبدالعزيز. والمقصودة هنا، بطبيعة الحال، هي «منظمة التعاون الإسلامي» الذي حلّ أمينها العام «إياد مدني» مؤخراً ضيفاً على منتدى الصحافة العربية في دورتها الرابعة عشرة في دبي كبديل عن الأمين العام للجامعة العربية الذي حالت ظروفه دون المشاركة في هذا المحفل الإعلامي السنوي المهم، فكان الأمر سيان لأن كلتا المنظمتين عاجزتان عن فعل أي شيء حيال ما تمر به الأمتان العربية والإسلامية من مشاكل وحروب ومؤامرات سوى إصدار بيانات الاستنكار والتنديد والتمني. وكي لا نبخس منظمة التعاون الإسلامي حقها فإن التاريخ يشهد لها أنها قامت، منذ تأسيسها في ستينات القرن الماضي، ببعض الانجازات على الصعيدين الانساني والتنموي عبر بنك التنمية الإسلامي ومنظمة الإغاثة الإسلامية، ولاسيما في القارة الأفريقية. ألقى مدني في المنتدى المذكور كلمة مطولة تطرق فيها إلى تاريخ منظمته وجهودها وإنجازاتها متوقفاً طويلاً عند موضوع بدا أنه شغله الشاغل وهو تعديل الصورة النمطية للمسلم في المجتمعات الأجنبية التي تناصب المسلمين العداء وتتربص بهفواتهم كي تعلن على الملأ تخلفهم وجمودهم عند لحظة مضت. وهو لئن أجاد الحديث عن هذا الموضوع وحذر من الوقوع في فخ تلك الصورة التي يجري ترويجها، فإنه تجنب تحميل جزء من المسؤولية على الأقل لبني دينه ممن استسلموا للأفكار الشيطانية الحمقاء، أو صاروا وقوداً لمؤامرات يحكيها الأعداء على نحو ما يفعله بنو «داعش» وأمثالهم. بُعيد انتهاء الأمين العام من كلمته حاورته الإعلامية البحرينية المعروفة سوسن الشاعر في جلسة مفتوحة عن شئون منظمته وشجونها، فانقسم الحضور ما بين مؤيد للغة الصارمة التي استخدمتها الشاعر في حوارها، ومعارض لها. والحقيقة أن الشاعر لاتُلام في ما قامت به مع الاعتذار للأستاذ مدني الذي نكن له كل الاحترام والتقدير كشخصية مرموقة من الشقيقة السعودية لأنها انطلقت من ألم يعتصرها ويعتصر قلب كل مواطن خليجي غيور جراء ما قامت به العصابة الحاكمة في طهران من تدخلات لإحداث الفتنة والفرقة وزرع الخلايا النائمة في البحرين المسالمة، بل من يستطيع ان ينسى ارهابها في مواسم الحج، ومحاولتها اغتيال أمير الكويت الراحل، ووقوفها خلف تفجيرات الخبر، واحتضانها لرموز القاعدة الفارين من أفغانستان، وغير ذلك من الممارسات الإرهابية الموثقة، فيما كان ضيفها يحاول جاهداً في ردوده ألا يقسو على إيران باعتبارها جارة إسلامية كبيرة وعضو مؤسس في منظمة التعاون الإسلامي، ويكرر فكرة ضرورة التعاون معها من أجل إيجاد حلول لكل ما تعانيه منطقة الخليج وامتداداتها من توترات، رغم يقينه بأن طهران هي سبب كل البلاء منذ قيام الثورة الخمينية، ورغم علمه المؤكد أن الدولة الايرانية بشكلها الثيوقراطي الحالي ليست مصدر ثقة كي يُصار إلى التعاون معها. فالقادة الخليجيون لم يتركوا باباً إلا وطرقوه من أجل ترغيبها في بناء علاقات ودية قائمة على حسن الجوار والتفاهم كي تنعم المنطقة الخليجية والعربية بالأمن والإستقرار بعيداً عن الحروب والضغائن والأحقاد والتدخلات، لكن إيران كانت ترد في كل مرة بالمزيد من الاستفزاز والتحريض وتمويل الجماعات الموالية لأجنداتها التوسعية المقيتة، وأحلامها في الهيمنة المطلقة على بلاد العرب. وإزاء هذا المأزق وكما يحدث في حالة الأمم المتحدة، وطبقا للشرائع الدولية ألا يحق لمنظمة التعاون الإسلامي أن تحزم أمرها وتتخذ من المعطيات التي أشرنا إليها سبباً لتصنيف عضوها الإيراني ضمن الأعضاء المارقين كمقدمة لعزلها وتطويق شرها، خصوصا وأنها تخرق جهاراً نهاراً كل المباديء الإسلامية السامية التي يقوم عليها كيان المنظمة العتيدة، وإنْ إدعت خلاف ذلك؟ ألم تطرد الجامعة العربية سوريا عقابا على ما فعله نظامها المجرم؟ وألم يصدر مجلس الأمن عقوبات بحق إيران بسبب خروقاتهم المتكررة لمبادئ الأمم المتحدة؟ فلماذا تتحاشى منظمة التعاون الاسلامي فعل الشيء ذاته بحق النظام الإيراني المشاغب شرقا وغربا والباذر للأحقاد الطائفية يمينا ويسارا؟ بل لماذا تحاشت المنظمة حتى الآن تشكيل لجنة من علماء وحكماء المسلمين الكبار للضغط على عضوها الفارسي من أجل أن يرتكن إلى لغة العقل والحكمة ويمتثل لمبادئ الدين الحنيف التي يتشدق بالدفاع عنها وعن معتنقيه «المظلومين» بحسب خطابه المؤدلج؟ وإذا كانت حجة المنظمة أن إقرار مثل هذه الإجراءات يتطلب الأغلبية، ففي اعتقادنا المتواضع أن السعودية وحدها، باعتبارها قبلة المسلمين ومهبط الوحي ودولة ذات مصداقية وثقل دبلوماسي واقتصادي في العالمين العربي والإسلامي، قادرة على تكوين حشد هائل من الدول الإسلامية لعزل إيران وفرض العقوبات عليها كي لا نقول طردها من المنظمة. ولا نعتقد أن هذا الكيان الكبير سيتأثر بخروج عضو مارق لا يقيم وزنا لأدنى معايير حسن الجوار والقيم الاسلامية السمحاء. *باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين